«أبشر» الحكومة الذكية على الأبواب
تتسابق دول العالم على تطبيق مفهوم ''الحكومة الإلكترونية'' وتقديم خدمات إلكترونية للمستفيدين دون عناء الذهاب إلى مقار المؤسسات. وهناك دول استطاعت تحقيق إنجازات كبيرة، وأخرى تسير سير السلحفاة. وتجدر الإشارة إلى أن كوريا الجنوبية تتربع على رأس قائمة التصنيف الدولي للحكومات الإلكترونية في عام 2012 من بين 193 دولة، وجاءت الإمارات في المرتبة (28)، واحتلت البحرين المرتبة (36)، في حين تراجعت الكويت من المرتبة (50) في عام 2010 إلى المرتبة (63) في عام 2012، وحققت المملكة تقدماً بطيئاً، ولكن مستمراً وثابتاً، من المرتبة (58) في عام 2010 إلى المرتبة (41) في عام 2012. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل بدأت بعض الحكومات في التحول من الحكومة الإلكترونية إلى ما يُسمى بـ ''الحكومة الذكية'' مثل حكومة دبي.
وعلى الرغم من أن هذا التصنيف العالمي يضع المملكة في مرتبة ليست متقدمة، فإن هناك بعض الجهات الحكومية تحقق إنجازات تستحق الإشادة بها والثناء عليها وتقديم الشكر للقائمين عليها، في حين أن هناك جهات ينبغي أن تلحق بالركب وتسعى لتطوير إجراءاتها وتقديم خدمات إلكترونية أفضل للمستفيدين، فبعد معاناة الكثيرين في الحصول على خدمات ''الجوازات'' والاضطرار للوقوف في ''طوابير'' الانتظار لساعات طويلة تحت لهيب حر الصيف وتحت رحمة بعض موظفي ''الجوازات المتغطرسين''، وبعد أن ارتفعت تكلفة تصحيح وضع المقيم إلى 20 ألف ريال لدى مكاتب الخدمات العام، تمكنت إدارة الجوازات من تطبيق خدمة ''أبشر'' الإلكترونية، ما أسهم في تسهيل كثير من الإجراءات وتقديم خدمات سريعة ومميزة للمستفيدين، مثل إصدار تأشيرة خروج وعودة وخروج نهائي، وتصاريح السفر للسعوديين. كما تمكنت بعض قطاعات وزارة الداخلية من تحسين الخدمات الإلكترونية التي تقدمها للمستفيد.
ولكن تبقى خدمات كثيرة في حاجة للتحسين والتطوير كإصدار بطاقة الهوية الوطنية للتابعين وإصدار جواز سفر أو تجديده دون الحاجة إلى المراجعة إلا عند تسلم الجواز، وإلغاء كثير من النماذج الطويلة التي تحتاج إلى استيفاء معلومات هي موجودة - أساساً - لدى الجهة المقدمة للخدمة، وتقليص الحاجة لصور (4×6) التي يضطر المواطن لحملها (دائماً) في المحفظة، تحسباً لأي طلب طارئ عند التقديم لأي خدمة حكومية.
فبعد تقديم الشكر لوزارة الداخلية على القفزة النوعية في الخدمات الإلكترونية ''أبشر'' التي أتاحت لنا التلذذ بطعم قليل من الخدمات الإلكترونية، تُحسن الإشارة إلى ضرورة العمل على إنجاز الخدمات الأخرى وتحسينها، ويأتي في الدرجة الأولى استكمال ''السجل العقاري'' واستحداث نظام عنونة مناسب للمساكن ثم ربط كل الخدمات ببعضها من خلال سجل سكني وطني، حيث يربط الهوية الوطنية بالعنوان السكني وجميع الخدمات كالأحوال المدنية والجوازات والتوظيف وسجلات المواليد والوفيات والخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية والمصرفية، ما يُسهل الحياة ويوفر الكثير من المزايا والفوائد الكثيرة التي لا ينبغي الاستهانة بها دون الحاجة إلى إيقاف الحسابات ــــ على سبيل المثال ــــ لتحديث البيانات ونحوها.
لا يقتصر الأمر على تسهيل الإجراءات وتخفيف الازدحام في الشوارع والمواقف أو توفير الجهد والوقت أو ترشيد استخدام الوقود، ورفع إنتاجية الموظف الذي يضطر إلى اقتطاع جزء كبير من وقت الدوام الرسمي لمراجعة الدوائر الحكومية، بل سيؤدي تطبيق الخدمات الإلكترونية إلى توفير مبالغ مالية كبيرة، خاصة في دولة تستورد العمالة. ولا يقل عن ذلك أهمية إسهام الحكومة الإلكترونية (أو الذكية) في الحد من الأخطاء البشرية وتقليص ''الرشوة'' و''الواسطة''، والحد من استغلال الخدمات الاجتماعية المقدمة من الدولة على حساب المستحقين، علاوة على المزايا الأمنية وحماية حقوق الآخرين.
وإلحاقاً لما كتبت في هذه الصحيفة الغراء قبل ثلاث سنوات بعنوان ''حاجة ملحة لسجل وطني للسكان ونظام عناوين المساكن'' ومقال آخر بعنوان ''الحكومة الإلكترونية بين التقاعس وغياب خريطة الطريق''، أكرر الإلحاح بضرورة استكمال مقومات الحكومة الإلكترونية من خلال سجل وطني شامل يبدأ برقم الهوية الوطنية وعنوان المسكن ويشتمل على خدمات الأحوال المدنية وتسجيل المواليد والوفيات والخدمات التعليمية والمستشفيات والبنوك والخدمات الاجتماعية كالضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية، ليوفر الكثير من الجهد والعناء ويرشد الإنفاق على الخدمات ويحد من الفساد واستغلال الخدمات الحكومية، ويوفر البيانات للدراسات والتخطيط من أجل تحقيق مزيد من التقدم والنماء بإذن الله.