رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الاستراتيجية الوطنية للشباب بين الجعجعة والطحن

منذ عام 1431هـ ونحن نسمع أن فريقاً يعد استراتيجية وطنية للشباب ''15 ـــ 24 سنة''، ويبلغ عددهم أكثر من أربعة ملايين مواطن تقريباً وينمون بمعدل نمو سنوي بلغَ نحوَ 3,5 في المائة، وذلك في خلال المدة 1413 ـــ 1431هـ (1992 ـــ 2010) وحتى الآن ونحن في الثلث الأخير من عام 2013 لم نر استراتيجية معتمدة للتنفيذ، وأخشى أن يطول بنا الأمد لتكون مدة إعداد خطة خمسية كما هو حال خطط الدولة الخمسية.
نعم نتفق جميعاً على بذل جهود كبيرة على عملية التخطيط بشكل عام والتخطيط الاستراتيجي بشكل خاص لما يقتضيه التخطيط الاستراتيجي من تحليل وتشخيص وفق أسس استراتيجية تخوض في أعماق القضايا والمشاكل والمعلومات دون الاكتفاء بمظاهرها السطحية وذلك في الأطر العامة القائمة في بلادنا، كما وأنها تقتضي مرحلة من التفكير الاستراتيجي الخارج عن المألوف للوصول إلى حلول ابتكارية ذكية كبرامج تنفيذية استراتيجية مرحلية متتالية أو متوالية قابلة للتطبيق بجودة وبإنتاجية عالية في أوقات قياسية بهيكلة استراتيجية تكاملية تحقق أفضل أنواع التكامل والتنسيق بين أجهزة الدولة المعنية من وزارات وهيئات ومنشآت القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
ولكن في الوقت نفسه يجب أن نعرف أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وأن تحقيق نجاحات سريعة بشكل موازٍ هو جزء من آليات التخطيط الاستراتيجي للوصول إلى تزامن مرضٍ بين الجعجعة والطحن لتدارك الأمر وخصوصاً أن القرية العالمية قد أخذت بزمام الأمور وأصبحت توجه شبابنا يميناً ويساراً وفي جميع الاتجاهات بعد أن فرطنا في أوقات شبابنا الحرة والتي تحولت لأوقات فراغ قاتل يدفع الشباب في أحسن الأحوال لاستثماره في جلسات الاستراحات والبراري ومقاهي الشيشة والتدخين وهو أمر محزن فما بالنا إذا عرفنا أن البعض الآخر يقضيه في ممارسة أنشطة إجرامية أو لا أخلاقية.
يرى أحد الشعراء ''إن الشباب والفراغ والجدة * مفسدة للمرءِ أي مفسده''، وأعتقد أن من أحد مفاسد الفراغ غير المستثمر بما هو نافع هي مفسدة هدر طاقات الشباب التي تعتبر رأسمالا لو أحسن استخدامه لأنتج الشيء الكثير، وبالتالي علينا أن نفكر جدياً بتحويل متوسط ''الوقت الحر'' المتاح لشباب المملكة يوميا وشهريا وسنويا ثم نحدد حجم الهدر من الساعات الحرة وقيمة كل ساعة لنصل إلى حجم الهدر بالريال السعودي لنضع في استراتيجية الشباب هدفا كبيرا وواضحا وهو كيفية الحد من هذا الهدر سنوياً وتحويل الساعات المهدرة إلى ساعات إنتاج وبالتالي نحول ملايين مهدرة بالسالب إلى ملايين مستثمرة بالموجب.
مما قرأت من موقع الاستراتيجية الوطنية للشباب أن معدلُ النموِّ نسبةِ الشبابِ في بلادنا يطلَقُ عليه ''الفرصةُ أو الهبةُ الديمغرافيةُ''، وهي تلك الفرصةُ التي تظهرُ عندما تنمو فئة السكانِ في سنِّ العملِ بمعدلٍ يتجاوزُ نموَّ فئةِ السكانِ المعالين ''أي: الأطفالِ وكبارِ السنِّ'' فمتى نستثمر هذه الهبة كما يجب وكما ننشد جميعاً؟، ومتى يلعب هذا الاستثمار دوراً كبيراً في معالجة الكثير من القضايا مثل قضية تكاليف علاج العصر التي أصبحت تصيب الأطفال والشباب، وتكاليف السجون التي تغص بالأحداث وظاهرة السمنة وما يترتب عليها.
لا أخفيكم أنني قلق من مستقبل هذه الإستراتيجية وأتمنى أن يخرج علينا أحد من وزارة الاقتصاد والتخطيط ويطمئننا على مستقبل هذه الاستراتيجية لنعرف بأي مرحلة تمر الآن، ومتى يتم إنجازها وما هي برامجها ومشاريعها وآلياتها وموازناتها، والنتائج المتوقع أن تحققها في خمس سنوات على الأقل في أهم قضايا الشباب الذين ولأكثر من مرة أشرت إلى أنهم يعانون فجوة فكرية بين السقف الفكري الذي كونوه بفعل التواصل الإعلامي بجميع أنواعه والمباشر نتيجة السفر المكثف في السنوات الأخيرة وبين القاعدة الفكرية الهشة الناشئة عن تعليم التلقين الهزيل والنمطية الاجتماعية والثقافية الضاغطة على الشباب في بلادنا، وإذا لم نعجل ببناء القواعد الفكرية السليمة في أذهان شبابنا سنخسر كما أعتقد الكثيرون.
لحين خروج هذه الاستراتيجية إلى أرض الواقع أتطلع إلى أن تلعب الجهات ذات الصلة بهذه الاستراتيجية والتي تشارك في لجان إعدادها، دورها بشكل كبير في التصدي لقضايا الشباب لشغل أوقاتهم الحرة بما يعود بالنفع والفائدة عليهم وعلى المجتمع والوطن في المحصلة، وأعتقد أن من أهم مساحات المعالجات هي مساحات الترفيه المفيد كالرياضة بجميع أنواعها والتي يمكن أن تعاد هيكلتها على أسس اقتصادية، حيث تمول نفسها وتحقق العوائد المالية لممارسيها من الشباب بشكل عام والمتفوقين والمبدعين منهم بشكل خاص، والذين يمكن أن يكونوا نجوما محلية ودولية تحقق ذاتها وتساهم في إيصال بلادنا لمنصات التتويج في المنافسات الدولية.
معظمنا يظن أن الشباب هم جنس الذكور فقط، ودون أدنى شك المقصود بالشباب هنا الجنسان، وكلنا يعلم أن الوقت الحر لدى النساء غالباً ما يتحول إلى وقت فراغ ممل لعدم قدرة النساء على الحركة والخروج والتجول وممارسة الرياضة والرحلات كما هو حال الشباب وهو ما انعكس سلبا على معدلات السمنة وأمراض العصر على النساء بما ذلك فئة الشباب، وبالتالي أظن على الأجهزة المعنية بتنمية الشباب أن تبادر بجدية كبيرة للتصدي لقضايا الشابات إن جاز التعبير.
ختاماً أتطلع إلى أن تلعب جميع الجهات المعنية بالشباب، كل في مجال تخصصه، دورها في تطوير مشاريع وبرامج تساهم في استثمار أوقاتهم وتنميتهم بفكر اقتصادي ذكي يخرج عن المألوف القائم على الإنفاق الحكومي وما يعتريه من تقلبات، وكلي ثقة أن الكثير من الجهات التي يقودها المخلصون من رجال الوطن قادرون على طرح حلول استثنائية وابتكارية تشكل نماذج تحتذى ــــ بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي