رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عربي يشقى بعروبته

سقط فيما سقط من العرب -التقدم- ورؤيته، بل سبله والطريق المنتهي إليه، سقط الاتجاه والبوصلة، فلكل صلاة قبلة تبتغيها، وتولي وجهها شطرها، ولكل هدى ضلالة مضلة تغشى أهلها بياتا وهم نائمون.
العالم حاضرهم معطوب بالسياسة والهوى الغالب فيها، والرواة لا يتلجلج لسانهم عند الكذب المتعمد في الرواية، والشاهد بصير من غشاوة الكذب يخذله بصره، ولا يهتدي إلى برد اليقين قلبه، والرائد يكذب أهله، وحامل الراية يبيعها بخسيس العطية ومتردي البذل.
كل سوء على أمة دليل على ضعفها أو عجزها، وكل سوء في أمة دليل على جهلها وضعف عقلها، وكل سوء بين أبناء أمة فاضح لغياب وعيها، واعتلال نفسها .. وقسوتها، وبعدها عن ربها وخالقها .. إذ لو كانت قريبة لنالت رحمته، ونالت رأفته، فجمع منها ما تفرق ولملم فيها ما يتبعثر .. ولجمعها على -رحماء بينهم- وما خلى بينهم وبين ''تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى''.
أن تقتل أمة نفسها بيدها وسلاحها ورجالها .. لا دلالة له غير أنها أمة مغضوب عليها، وأنها من الضالين، فهذا سلوك ردة عن السلام الواحد الموحد للذات مع كل ذات أخرى .. وردة عن السلام الموحد الواحد مع كل ذات مع الحياة وما فيها.
حاضر عربي فيه ضجة أكاذيب، لا يسمع معها صدق ولا صادق .. حتى بات معرفة ما هو كائن يحتاج إلى معجزة أو وحي يوحى، بات القاتل مقتولا، والمقتول قاتلا، والسارق مسروقا، والمسروق سارقا، وفي كل أمر ومع كل حال الظالم يأتي بوجه مظلوم، وبرقة مظلوم وبدموع مظلوم، ورجفة بكاء من عجز عن رد الظلم عن نفسه.
حاضر عربي لا يُحصن فيه دم ولا يصان فيه كرامة، ولا يعف لسان، إن وقعت الخصومة على إمارة وطلب رئاسة وترأس، فمن نال منها طال واستطال ومن نالها باليد القصيرة قتل خصومه باليد الطويلة .. ومن قدر على خصمه لم يتوقف عن بغي باد .. وقسوة حاقد، وظلم من لم يعرف الله طرفة عين.
حاضر عربي .. تلوذ كل نفس بنفسها، تبتغي حياة ضامرة قابضة على النجاة من عبث القتل .. في أوطانها فتضيق عليها، ولا تقدر عليه إلا شحيحا ينز الحياة عليها بتقدير من تأويه خيمة رقيقة لا ترد هجيرا ولا فحيحا ولا ترخي سترا على شرف حتى زمن قريب كان مصانا .. يستوعبه ''حد محدود'' في خيمة عن يمينها خيمة لا يسترها ساتر كما هي خيمته، وعن شمالها خيمة فقرها باد .. بعدها سور من حديد خلفه رجال غلاظ شداد وظيفتهم قتل كل حلم بالخروج من سجن الحياة .. هذا الذي يجرعه الموت والذل والجوع كل يوم عشرات المرات .. إلا أنها جرعات غير تامة ولا كاملة.
ليشقى هكذا حيا .. أو ليشقى بعروبته في بلد عربي .. حتى يموت الرجاء في كل قيمة وفي كل حس، وفي كل فضيلة.
حاضر عربي غثاء سيل يجرف ولا يتريث، يضر ولا ينفع، يفيض على النبات يقتله ولا يسقيه، يسلب الحياة ولا يصنعها، يقتل في جريانه المجنون هذا الشجر والبشر ولا يترك حجرا على حجر.
كيف تلاعب بعقل هذه الأمة المتلاعبون، ومتى سقط رشدها، وبأي رؤية آمنت بها فأعمتها، أين السامري الذي أضلها سواء السبيل، كيف ولد مسيلمة الكذاب ألف مرة؟ .. فصنع دينا على مقاس فعل ذبح الأطفال، واغتصاب النساء وتبرير سفك الدم الحرام.
ومتى أخرجت هذه الأمة عبد الرحمن بن ملجم الذي أسس لضرب السُّجَّد الرُّكَّع لله في صلاة الفجر من قبره، ليفجر بيوت الله وعباد الله الخارجين منها في طرابلس ولم تتوقف بعد شفاههم من ذكر الله؟ وكيف أرجع لنا يهود بني قريظة أولادنا قنابل بشرية، لا نراهم إلا قبل الانفجار في العابرين والآمنين، والفقراء المحرومين والمقهورين في كل المقابر المفتوحة التي كانت تسمى أوطانا؟ .. سورية .. والعراق وباكستان وأخيرا مصر ولبنان؟ هل هم فعلا أبناؤنا، الذين أكلوا من قمحنا وشربوا من مائنا، وتصالبت عظامهم من حليب أمهاتنا؟
هذا زمن عربي بات من العسير فيه القبض على يقين، ومعرفة السبب، ومعرفة العلة والمعلوم .. أو التفريق فيه بين القاتل والمقتول .. والجاني والمجني عليه .. لذا تريث قليلا في كل شيء، ومع كل فكرة، إذ ربما كنت شريكا في قتل وتحريض ودم .. حسابه عسير، ووزره عظيم وإثمه ثقيل .. وأنت لا تدري.
فهذا هو الزمن العربي الذي يخزيهم وقائعه .. ويخزيهم ما فيه .. ''وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي