صحيح .. ماذا قدمنا لجيلنا الحالي؟
''ماذا قدمتم أنتم للجيل الحالي لتتحدثوا عن (حقوق) الأجيال القادمة''؟ هذه ملاحظة أو ''تغريدة'' لطيفة ومُعبِّرة كتبها أحد الإخوة من الشباب على إحدى المقالات التي تتطرق إلى ضرورة الحفاظ على نصيب أحفادنا وأولادهم من الثروات النفطية التي بين أيدينا ونتصرف فيها كيف نشاء، بل بإسراف شديد. والسؤال منطقي وفي محله، والإجابة عنه تحتاج إلى الصراحة والشجاعة معاً. فنحن فعلاً لم نعمل الكثير من أجل إنجاح مهمة أبنائنا وبناتنا لنعينهم على تخطي تحديات الحياة في هذا العصر المتشبع بالمنافسة وصعوبة المعيشة .. فأي نوع من التربية والتوجيه، يا تُرى، قد منحناهم؟
لقد أغدقنا عليهم الكثير من العطف والحب والمال وسُبُل وسائل الراحة، ما لا يوصَف وبلا حدود. فعندما يبلغ الوليد الرابعة أو الخامسة من العمر نشتري له جوَّالاً بأغلى سعر ليلهو به ويحادث أقرانه، أو قل من أجل أن يعبث به ويباهي من هم في سنه. وبعد ذلك بسنوات قليلة نحضر لصغارنا - الله يحفظهم - أفخر أنواع ''الكمبيوترات'' المعروضة في السوق ليستمتعوا بها ويشغلوا أنفسهم عن ممارسة قراءة الكتب والمؤلفات المفيدة. وهي أيضاً أصبحت وسيلة من وسائل الاتصال المباشر بالأقران. وحرصنا على أن يكون في البيت عاملة منزلية أو أكثر تخدم صغارنا وكبارنا ونتأكد أنها ترفع الصحون من المائدة بعد الفراغ من أكل الوجبات اليومية، إلى جانب وظائفها الرئيسة في المطبخ وغرف النوم، إمعاناً في جلب الراحة البدنية لصغارنا. فلا نريد لأحبابنا أن يكلفوا أنفسهم ويتحملوا مشقة تنظيم غرفهم أو حمل صحونهم والله - سبحانه وتعالى - موسعها علينا. أما عندما يحين وقت الالتحاق بالمدرسة، فالسائق الأجنبي يكون مسؤولاً عن حمل الحقائب حتى باب المدرسة. ولو سمحت إدارة المدرسة لعمدنا السائق بإيصالها إلى مقاعد الدراسة، رغبة في خدمة فلذات أكبادنا. وتمر الأيام والسنون ويبلغ الطفل منتصف العقد الثاني من عمره المديد، ويبدأ التفكير في شراء سيارة فخمة للمحظوظ منهم، أسوة ببعض الزملاء ممن أفاء الله على أهليهم من المال. وإن كنا على علم بحالات شاهدنا فيها الأهل يستدينون مبالغ كبيرة من أجل أن يوفروا لابنهم سيارة يعبث بها تقليداً لابن جار غني.
ولم نكتف بهذا الدَّلال وبكل هذه التصرفات التي تعكس خصوصية مجتمعنا والإغداق غير المبرر على أولادنا وهم لا يزالون في مراحل الطفولة. فنحن أيضاً نسمح لهم بالنوم خلال ساعات النهار ويستيقظون في الليل في أيام نهاية الأسبوع والعُطَلات الطويلة والقصيرة. ونترك لهم حرية استغلال أوقاتهم فيما لا يفيد ولا ينفع. ونهيئ لهم جميع عوامل الكسل والخمول وحياة الرفاه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً. وفي نهاية الدراسة وبدء العطلة المدرسية نكون قد خطط الذين يملكون المال منا لرحلة سياحية إلى أقصى بلاد العالم للترويح عن الأبناء والبنات، وحتى يباهوا بها زملاءهم وزميلاتهن بما شاهدوا من أصناف الملهيات والمناظر الطبيعية التي ليس لها مثيل على ظهر هذه الصحراء القاحلة. والمهم أن تمر العطلات بخير ولا يهم إن كانت لا تضيف إلى عقول أحبابنا ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، والله يطول عمر البترول!
وعندما ''يتناوش'' عمر الواحد منهم عمر النضج ويصل إلى سِنِّ العمل، تجده يبحث عن العمل المريح، ويفضل معظم الشباب الكرسي الدوار، إن أمكن لهم ذلك، حتى لو كان الحصول عليه عن طريق الواسطة التي لا يستغني عنها إنسان على هذه الأرض الطيبة. وتجدنا قد أخذنا الحيطة واستقدمنا ملايين العمالة الوافدة للقيام بالأعمال الشاقة وشبه الشاقة، مثل تلك التي يتطلب أداؤها العمل تحت حرارة الشمس أو قساوة البرد، أو المهنية التي تحتاج إلى صبر وجلد وتدريب مُسبَق. وحتى في الحالات التي يكون الشاب من خريجي المعاهد المهنية نلاحظ أن بعضهم يكون متردداً في قبول أي عمل لا يوفر له الراحة المطلوبة. وإن كانت ضآلة الرواتب، التي لا تتماشى مع مستوى المعيشة المرتفع، هي من العوامل الرئيسة التي تحول دون رغبة الشباب في العمل ما دام يستطيع البقاء مكرَّماً في بيت والديه. أضف إلى ذلك أننا لم نبخل عليهم بتلقينهم ثقافة العيب في اختيار نوع العمل الذي يتناسب مع أصلهم وفصلهم. فهناك مِهَن وأشغال لا تليق بأولادنا - الله يحفظهم ، خصوصاً أنهم من فصائل أولاد النفط ولدينا من العمالة الأجنبية من يلتقطها ويريح أحبابنا منها. وهذا قليل من كثير.
فهل كنا منصفين في حقهم؟ وهل أدينا بأمانة ما هو مطلوب منا تجاه مستقبل زاهر لأولادنا؟ هذا هو مربط الفرس. فالجواب قطعاً بالنفي. نحن قدمنا لهم ما لا يفيد وحرمناهم المفيد. فالمفروض أن نعلمهم منذ الصغر احترام العمل والإنتاج وعدم الاعتماد على الغير، بصرف النظر عما تملك من المال. وهذا ما يتربى عليه شباب الأمم الحية التي تقدر ثمن الإنتاج الفردي والإبداع المتواصل. ولو أردت الاطلاع من كثب على تفاصيل حياة الشعوب الناجحة لوجدت أن أساسها النظام. فكل شيء يسير بموجب برنامج معين وثابت. النوم مبكراً والاستيقاظ مبكراً بالنسبة لكل فرد في المجتمع، بصرف النظر عن أيام العمل وغيرها من أيام الأسبوع. فلا راحة قبل أداء واجب من مستلزمات الحياة. والإنسان يخدم نفسه بنفسه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وكلما تقدمت الشعوب قلت الحاجة إلى الواسطة المقيتة. وما نسميه ''الدَّلال'' الزائد على اللزوم لا يخدم مصالح أولادنا على الإطلاق. والأحرى أنه يدمر شخصياتهم ويبعث في نفوسهم انعدام الثقة وعدم الرضا عن أي شيء يُناط بهم أو يقدَّم لهم. ولذلك تجد نسبة كبيرة من أولادنا يتمنون كل ما لا يستطيعون الحصول عليه.
فمعذرة أيها الأحباب، والبركة فيكم، لعلكم تستطيعون - إن شاء الله - تغيير نمط العلاقة بين الآباء والأبناء إلى الأفضل.