رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


استدامة الزراعة في السعودية (2)

تناولنا في الأسبوع الماضي مفهوم استدامة الزراعة، والجوانب الأساسية لها، وطبيعة المعضلة التي تواجهها المملكة في الوقت الحالي عندما تحاول تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، بصفة خاصة الغذاء، ولاحظنا أن سياسات استدامة قطاع الزراعة تهدف إلى ضمان توافر الفرص لعمليات الإنتاج الزراعي المجدي من الناحية الاقتصادية بحيث يحقق الاستثمار الزراعي معدلات عائد مناسبة، بما يحافظ على التوازن في النظام البيئي ويحد من الاختلالات البيئية، وفي الوقت ذاته يضمن تحقيق مستويات مناسبة من الدخل والأرباح للعاملين في القطاع الزراعي.
على أنه ربما ينشأ نوع من سوء الفهم عند البعض عندما يخلط بين استدامة الزراعة والأمن الغذائي أو الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، فهما قضيتان مختلفتان، بالطبع تلعب استدامة الزراعة دورا مهما في الأمن الغذائي أو سياسات ضمان الاكتفاء الذاتي، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أننا عندما نتناول قضايا الأمن الغذائي أو الاكتفاء الذاتي في المملكة لا يمكننا الحديث عن أمن غذائي أو اكتفاء ذاتي كامل في هذا المجال، أخذا في الاعتبار طبيعة الموارد المتاحة للقطاع الزراعي في المملكة سواء من حيث الكم أو النوع. إن أفضل ما يمكن الحديث عنه هو كيفية تعظيم عرض الغذاء أو العرض من المنتجات الزراعية في ظل القيود على الموارد المتاحة التي تتسم بأنها محدودة بشكل عام حاليا، وعلى النحو الذي يضمن استدامة القطاع الزراعي في المملكة بهيكله الحالي ودعم قدراته على النمو على المدى الطويل.
ولتحقيق هذه الأهداف تحتاج المملكة إلى إعادة صياغة سياساتها في هذا المجال لدعم استدامة القطاع الزراعي وضمان درجات أعلى من الأمن الغذائي في الوقت الذي تحافظ فيه على الشروط البيئية من الاختلال. وفي ظل سعي الحكومة لضمان استدامة الزراعة لا بد أن تستهدف السياسات الزراعية مجموعة من الأهداف أهمها:
- الحفاظ على مصادر المياه التي هي أهم الموارد في مجال الإنتاج الزراعي، وذلك من خلال الاهتمام أساسا باستخدام تقنيات الإنتاج الزراعي الموفرة للمياه، وكذلك بالمزروعات قليلة الاستخدام للمياه، إذ يعد الري الزراعي من أكبر الاستخدامات للمياه، ويذهب الجانب الأكبر منه إلى عمليات إنتاج الغذاء سواء البشري أو الحيواني، وعلى المستوى الدولي يقدر أن نحو 80 في المائة من مصادر المياه في العالم تستخدم في عمليات الري الزراعي. وتشير الدراسات إلى أن الاستخدام غير المستدام للمياه الجوفية يؤدي إلى مخاطر غير منظورة مثل زيادة تركز العناصر السامة في المياه الجوفية، فضلا عن أن الاستهلاك من المياه في عمليات الري قد يؤدي إلى انخفاض منسوب المياه بسبب أن الطلب على المياه يتجاوز معدلات إعادة تعبئة هذه المياه في طبقات المياه الجوفية، وهذا بالضبط ما حدث مع المملكة وفقا للتقارير التي سبقت عمليات إيقاف زراعة القمح في المملكة، التي أكدت تراجع مخزون المياه الجوفية في المملكة على نحو غير مستدام. حاليا تحاول المملكة أيضا الحد من النمو في زراعة النخيل للحفاظ على رصيد مياهها الجوفية.
- الاهتمام بتقنيات الزراعة الحديثة، مثل الزراعة المغطاة، ودعم عمليات الإنتاج داخل البيوت الزجاجية وتلك المغطاة بالبلاستيك لتقليل استخدام المياه وتهيئة الظروف المناخية للمحصول على نحو أفضل، ودعم قدرة المزارع على استخدام وسائل الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
- الاهتمام بمراكز البحوث الزراعية ودعم قدراتها على إجراء الأبحاث الأساسية التي تدعم القطاع الزراعي في المملكة، إضافة إلى دعم جهود الإرشاد الزراعي للمنتجين وخلق علاقات وثيقة معهم والعمل على التعامل مع مشكلات الإنتاج لديهم على النحو الصحيح.
- تخفيض استخدام المدخلات الصناعية وغير الطبيعية التي يمكن أن تسبب أضرارا للبيئة ولصحة العاملين في القطاع الزراعي وكذلك للمستهلكين لمنتجات القطاع، وذلك لتخفيض الآثار الخارجية الضارة لمدخلات القطاع الزراعي على البيئة والصحة بشكل عام، وتعزيز عمليات استخدام المدخلات الطبيعية في عمليات الإنتاج للحفاظ على التنوع والتوازن البيئي.
- تكثيف استخدام السلالات الحديثة من النباتات المعدلة جينيا بحيث تحقق قدرا أكبر من الإنتاج للمساحة نفسها من الأرض، حيث تنتشر هذه الأيام تكنولوجيا تعديل النباتات جينيا التي ترفع قدرة المحاصيل على مقاومة الآفات أو نقص المياه وفي الوقت ذاته تحقق محصولا أوفر.
وإضافة إلى ما سبق فإن هناك مجموعة من الإجراءات المساندة لسياسات استدامة الزراعة من أهمها:
- دعم الإنتاج الزراعي، سواء بالنسبة لمستلزمات الإنتاج المختلفة أو المعدات أو تخفيض فوائد القروض الممنوحة للمنتجين في القطاع.
- مكافحة الهدر في الإنتاج الزراعي، الذي يعود إلى أسباب كثيرة، تتعلق بطرق الحصاد والتخزين والتعبئة والتغليف... إلخ، حيث يتم فقد كميات هائلة من المحاصيل سنويا نتيجة لذلك، وتقدر منظمة الزراعة والأغذية "الفاو" أن نحو ثلث الإنتاج الزراعي في العالم، الذي يقدر بنحو 1.3 مليار طن، يتم فقدانه عالميا بشكل سنوي دون أن تستفيد منه البشرية على نحو يمكن أن يساعد على خفض أسعار الغذاء أو زيادة العرض العالمي منه، وتتعدد مصادر الهدر في الإنتاج الزراعي، بصفة خاصة الغذاء، فإما أن يتم الهدر في الإنتاج حتى وصوله إلى المستهلك النهائي، أو يتم الهدر أثناء عمليات الاستهلاك، وتشير الدراسات إلى أن طبيعة هذا الهدر تختلف حسب طبيعة الدولة التي نتحدث عنها ومستويات الدخول فيها. بالنسبة للدول متوسطة ومرتفعة الدخل، فإن الجانب الأكبر من الهدر في الغذاء يحدث عند الاستهلاك، بينما في الدول الفقيرة فإن الجانب الأكبر من الهدر يحدث في مرحلة الإنتاج لأسباب متعددة أهمها عدم القدرة على مواجهة الآفات الزراعية، وعدم توافر تسهيلات التخزين المناسبة، وتخلف العمليات التي تجرى على المحصول منذ حصاده حتى بيعه في السوق... إلخ، بالطبع فإن عرض الغذاء يمكن أن يتحسن بصورة جوهرية إذا ما تم التقليل من الفاقد في العرض من الغذاء أو الكميات المستهلكة منه.
- وأخيرا، وليس آخرا، ينبغي العمل على رسم سياسات مناسبة للاستثمار الزراعي في الخارج بحيث تكون هذه الاستثمارات الخارجية مساندة للإنتاج الزراعي المحلي في تدبير احتياجات المملكة من الغذاء والمحاصيل الزراعية الأخرى. بالطبع المقصود بالاستثمار الزراعي الخارجي هنا ليس هو الاستثمار الزراعي الخاص، إنما استخدام الدولة لجانب من فوائضها العامة في الاستثمار المباشر في القطاع الزراعي في دول العالم المختلفة، بصفة خاصة المنتجة للغذاء، أو تملك حصص مؤثرة في شركات الإنتاج الزراعي خارجيا، بحيث يخصص الجانب الأكبر من المحصول الناتج عن المزارع التي تستثمر فيها المملكة في الخارج نحو التصدير إلى المملكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي