مدى النجاح في الوصول للفقراء والأكثر حاجة

اتخذت الدولة إجراءات كثيرة للحد من الفقر، منها إنشاء الصندوق الخيري، ورفع مخصصات الضمان الاجتماعي، ودعم صندوق التنمية العقاري، ودعم الجمعيات الخيرية، وإضافة علاوة غلاء المعيشة إلى الراتب الشهري، وكذلك دعم وزارة الإسكان بمليارات الريالات، ودعم كثير من السلع كالدقيق وتخفيض أسعار الوقود ونحوه. وفي هذه الأثناء، قامت وزارة الشؤون الاجتماعية بإعداد استراتيجية مكافحة الفقر، ولكنها لم تُعلن أو تنشر لأسباب لا تعلمها سوى وزارة الشؤون الاجتماعية.
هذه الجهود المباركة بدأ تطبيقها منذ سنوات، وللإنصاف لا بد أن تُذكر تلك الجهود، فتُشكر، ولكن ما مدى فاعلية هذه الإجراءات؟ وماذا حدث لمعدلات الفقر التي كانت تقدر بنحو 20 في المائة من السكان قبل عقد من الزمن؟ هل انخفضت تلك المعدلات؟ هل هناك ''بؤر'' أو أماكن لا تزال تعاني الفقر المدقع؟ ما المناطق التي ترتفع فيها معدلات الفقر؟ وما الفئات السكانية الأكثر تضرراً من الفقر؟ وما آثار الفقر الصحية والاجتماعية والنفسية والأمنية؟ وما أفضل السبل للوصول للفقراء بفاعلية وسرعة؟ ما مستوى نجاح البرامج الاجتماعية التي تبنتها الدولة والمؤسسات الخيرية؟ هذه بعض التساؤلات التي تبرزُ في أذهان الكثيرين، ولكن الجهات المسؤولة تلتزم الصمت باستثناء فعاليات أو أنشطة إعلامية ''دعائية'' هنا أو هناك، وبعض برامج الدعم لم تصل للأسر الأكثر حاجة، بل استفاد منها الأثرياء بدرجة أكبر، كخفض أسعار الوقود وبعض الخدمات كالماء والكهرباء، وكذلك دعم بعض السلع الغذائية الضرورية.
كثرت التكهنات حول معدلات الفقر وخط الفقر، وكتب الكثيرون يطالبون بإعلان استراتيجية الفقر للاستفادة منها في ترشيد الجهود وزيادة فاعلية البرامج التنموية والخيرية وتوجيهها للفئات والمناطق الأكثر حاجة، ولكنهم فقدوا الأمل في إعلانها وفقدت هي الأخرى أهميتها كونها أصبحت قديمة وتحتاج إلى تحديث.
لا أعتقد أن هناك مبرراً للحساسية المفرطة حول بيانات الفقر، لكون الفقر من المشكلات الاجتماعية التي تعانيها جميع المجتمعات دون استثناء، ولكن بنسب متفاوتة، بل لا تنجو من هذه المشكلات الاجتماعية حتى المجتمعات الأكثر تقدماً. وكما يقولون، فإن الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى نحو الحل. وغياب الشفافية و''حبس'' البيانات يُسهم في غياب التنسيق وتضارب الجهود أو عدم توجيهها لمعالجة الحالات الحرجة، ومن ثم عدم المساعدة في إعداد البرامج الأنسب والأكثر فاعلية.
إلى الآن لا تتوافر بيانات دقيقة وحديثة ترصد التغيرات في معدلات الفقر، ولا يُوجد تقييم دقيق لفاعلية الجهود ومدى نجاح السياسات والبرامج التي تقوم عليها مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص أو القطاع الأهلي والخيري. إلى متى سيستمر هذا ''التعتيم'' غير المبرر الذي لا يُمكّن الباحثين من إجراء الدراسات الجادة التي تسهل الوصول للمستهدفين، وإلى متى سيكون لدى كل مؤسسة عامة الحق في ''حبس'' البيانات دون مبرر، وهنا يتساءل الكثيرون: هل تنظرُ الوزارات المعنية بأنها الأكثر حرصاً على الوطن وأبنائه من الباحثين والمسؤولين عن البرامج التنموية والخيرية لدى المؤسسات العامة الأخرى ومنشآت القطاع الخاص أو الجمعيات الخيرية، أليس من الأفضل بناء شراكات مع الباحثين في الجامعات ومع الداعمين للبرامج الاجتماعية بمنشآت القطاع الخاص من أجل الوصول للأسر المستحقة والأكثر حاجة للدعم؟
حول هذه المشكلة أود أن أطرح بعض المقترحات التي من المؤمل أن تُسهم في الوصول إلى المواطنين ''المستهدفين'' الأكثر حاجة للدعم والمساعدة من أجل رفع مستوى معيشتهم وتمكينهم من العيش الكريم ورفع قدراتهم، ومن ثم الحد من مشكلة الفقر، ومنها:
1) إجراء دراسة شاملة لمناطق المملكة ومحافظاتها من أجل التقييم ورصد مستويات الدخل والمعيشة وتحديد الفئات الأكثر حاجة للدعم والكشف عن بؤر الفقر التي تستدعي التدخل العاجل من قبل مؤسسات الدولة والجمعيات الخيرية.
2) تبني برامج إسكان مدروسة وفق رؤية تنموية شاملة، بدلاً من إنشاء مشاريع سكنية في أماكن قد لا تتوافر فيها الإمكانات التنموية الضرورية.
3) النظر في إمكانية تطبيق نظام ''البطاقات التموينية'' التي تسهم في توجيه الدعم للأسر الأكثر حاجة، بدلاً من تبني برامج يستفيد منها الغني أكثر من الفقير. وبناء عليه أقترح منح بطاقات تموينية للأسر التي لا يتجاوز دخلها الشهري مبلغا معينا كأن يكون أقل من خمسة آلاف أو ستة آلاف ريال، وذلك للاستفادة منها في محال البيع واستخدامها في شراء السلع الغذائية الضرورية. وهذا سيُوفر الكثير من الدعم الذي لا يستفيد منه المواطنون الذين هم في أمس الحاجة للدعم.
4) تبني مبدأ الشفافية والاعتماد على البحث العلمي في حل مشكلات المجتمع من خلال إتاحة البيانات للباحثين للاستفادة منها في تشخيص المشكلات الاجتماعية واقتراح الحلول الناجعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي