ما تشهده المنطقة العربية يخالف أسس الإسلام كدين
في هذا العمود جرى التطرق إلى الإسلام مرارا وإذ أعود إليه اليوم فإنني لا أنطلق إلا من نظرة شخصية خاصة كوّنتها من خلال قراءتي لقرآنه وسيرة نبيه الكريم وانتشاره وفتوحاته والمقاربة الزمنكانية التي أجريها بين ممارسات أتباعه على أرض الواقع وممارسات أتباع الأديان الأخرى.
والتحدث عن الدين -أي دين كان- مسألة ليست بالهينة. الأديان، ولا سيما السماوية منها لها نصوص مكتوبة يراها أتباعها مقدسة وسماوية. والنصوص في مجملها تسعى لبث المحبة والأخوة والتسامح والغفران أي العفو، لا سيما عند المقدرة.
وتذهب نصوص بعض الأديان بعيدا جدا في تبنيها للمحبة والتسامح والأخوة إلى درجة دعوتها الصريحة حتى إلى محبة الأعداء والتعامل مع الآخر وكأنك تتعامل مع نفسك. إذا لماذا ينحو أتباع هذه النصوص، التي ملؤها المحبة والتسامح، صوب الشر واقتراف الفظائع وانتهاك أبسط الحقوق الإنسانية؟
لن نكون منصفين إن قلنا إن أتباع ديانة ما أو مجموعات محددة منهم أكثر انتهاكا لحقوق الإنسان من أتباع ديانة أخرى أو إنهم أكثر احتراما لإنسانية الإنسان من أتباع الديانة الأخرى. اقتراف الفظائع رافق ويرافق أتباع كل الديانات. هذا هو بالضبط ما يحصل عليه من استنتاجات أي مؤرخ منصف وقارئ محايد لتاريخ المجتمعات البشرية باختلاف دياناتها.
ومن حق الكل التباهي بما لديهم من نصوص يرونها مقدسة أي مصدرها الله -سبحانه وتعالى- وعلينا احترام حق الكل في الاختيار والتشبث بما يعتقدون أنه مقدس. ولكن هل الممارسة على أرض الواقع "أي في هذه الأرض" تعكس إرادة الخالق الذي ننسب النص إليه؟
والنص، أي نص، لا بد وأن يكون وليد زمانه ومكانه وبيئته والثقافة التي يرد فيها. وأفضل دليل على ذلك هو اختيار اللغة. أي أن النص المقدس يرد في لغة المتلقي وليس لغة أخرى. واللغة، أي لغة، تؤثر في ثقافة وبيئة ونشأة ناطقيها وهم يؤثرون فيها وسويا يكوِّنون وجهة نظر خاصة إلى الدنيا والعالم حولهم وحتى خارج نطاق بيئتهم.
والنص ثابت لا يتبدل والتلاعب به جريمة لا تغتفر حتى وإن لم يكن مقدسا، ولا سيما إن كان ذا تأثير في مسيرة شعب ما مثل القصائد والملاحم والمؤلفات المهمة في الحياة البشرية وغيرها. وحتى النصوص العادية علينا اقتباسها مثلما هي مع ذكر اسم صاحبها.
إذا للنص مناعة كبيرة وإن كان مقدسا فله رب يحميه وفي الأرض له أتباع يفدونه بأرواحهم. أمام هذه المناعة الفائقة، لا سيما للنص المقدس، إذا لماذا يزيغ أصحابه عن المسار السليم والصراط المستقيم الذي يدعو إليه؟
الجواب بسيط. نحن البشر ننتقي أو بالأحرى ننتف النص كي يوائم وجهة نظرنا إلى الدنيا ونقتبس ما يؤيد المسار الذي نحن عليه مع تناقضاته ونفسره على مقاساتنا. وأي اختيار لنص محدد دون غيره مع وجود نقيضه معناه أننا نستخدم النص مطية لتحقيق رغبتنا وليس رغبة السماء التي أنزلته علينا.
أليس القرآن اليوم ذات القرآن الذي حارب المسلمون الأوائل تحت مظلته؟ لنقارن ونقارب ممارساتهم مع ممارسات المسلمين الذين يحاربون ويصارعون بعضهم بعضا في كثير من الدول العربية اليوم آخذين في نظر الاعتبار من حيث الزمنكانية أن المسلمين عندئذ كانوا يحاربون أعداءهم من غير المسلمين؟
لنعود إلى كتب التاريخ وسنرى أنهم كانوا أكثر رحمة وتسامحا فيما بينهم وحتى مع أعدائهم، ما نلاحظه اليوم من قتل وفتك وهتك وغيره. السبب في رأيي أنهم كانوا أكثر قربا إلى نصهم المقدس وأكثر هضما له ولخصال المحبة والتسامح التي يكتنزها.
نعم النص، أي نص، حمّال لأوجه مختلفة ولكن الأوجه المختلفة خيار بشري وليس إلهياً. نحن نحمل النص أكثر من طاقته ونمده ونمطه ونجتزئه كي يوائم رغباتنا البشرية السلطوية. واليوم يبدو لي أن المتنفذين يعصرون النص كي يخرجوا منه ما لا يمكن أن يقبله الله مانحه ولا الرسول متلقيه.
ولهذا أخشى أن ما تشهده المنطقة حاليا أشبه بالبركان الخطير الذي قد يقود الجميع إلى الهاوية، لأن التفسير البشري للنص من قبل المتنفذين أخرجه من أسس المحبة والتسامح والأخوة التي يدعو إليها الإسلام.