شركات الأسهم السعودية .. قراءة لما بين الأرقام
بنهاية عام 2004 كان لدينا في سوق الأسهم السعودية 73 شركة مساهمة، أما الآن فتوجد 161 شركة موزعة إلى 15 قطاعاً، بلغت القيمة السوقية الإجمالية لهذه الشركات بنهاية الأسبوع الماضي 1,6 تريليون ريال. لغة الأرقام في مالية الشركات تنظر إلى الماضي والحاضر فقط ولا تتحدث عن المستقبل إطلاقاً، كون ذلك في علم الغيب، وأية توقعات مالية لا تتعدى كونها ''توقعات'' مبنية على احتمالات، لا يمكن الاعتماد عليها بشكل مطلق. غير أن هناك توقعات أفضل من غيرها وهي التي تكون لها تبريرات منطقية واحتمالات معقولة، تأتي غالباً بناء على دراسة البيانات التاريخية للأوضاع المالية ومن ثم إسقاط ذلك على المستقبل. أو أن تكون مبنية على تحليل خطط الشركات الاستراتيجية وأخذ الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في الاعتبار، ومن ثم دراسة الاحتمالات الممكنة واختيار أقربها للحدوث. أما الشيء المؤكد أمامنا فهو البيانات التاريخية لسنوات عدة، ومنها نستطيع بكل موضوعية الحديث عن أفضل الشركات وأسوئها. وغني عن القول هنا نفترض أن البيانات التاريخية صحيحة، وإلا لن نستطيع الجزم بأي شيء.
أفضل ثلاث شركات من حيث حجم حقوق المساهمين هي سابك (149 مليار ريال)، ثم الكهرباء (54 مليار ريال)، ثم الاتصالات (52 مليار ريال). هل لحجم حقوق المساهمين علاقة برأس المال؟ نعم هناك علاقة، لكن ليست متطابقة على الرغم من أن رأس المال جزء من حقوق المساهمين. والسبب هو أنه بالإمكان لشركة أن يكون رأس مالها كبيرا غير أنها لم تحقق لملاكها - ممن ضخ رأس المال هذا - نمواً كبيراً لاستثماراتهم في الشركة. هنا نجد أن أكبر ثلاث شركات من حيث رأس المال هي شركة الكهرباء (42 مليار ريال)، تليها شركة المملكة (37 مليار ريال)، ثم شركة سابك (30 مليار ريال). هذا يعني أن شركة مثل سابك أضافت لملاكها نحو 120 مليار كأرباح منذ تأسيسها، إضافة إلى ما تم دفعه للملاك من أرباح موزعة طوال هذه السنين، أي أنها عظمت ثروة ملاكها لأربعة أضعاف رأس المال الحالي. هنا يجب الانتباه إلى أن رأس المال الحالي، البالغ 30 ملياراً في حالة ''سابك''، يتغير بين الحين والآخر، غالباً إلى الأعلى عندما تقوم الشركة برفع رأسمالها، فهو إذاً لا يعطي صورة كافية لمقدار الثروة المتحققة لملاك الشركة، بينما حقوق الملاك تبين بشكل واضح حجم الثروة كونها ترصد الحجم التراكمي لثروة الملاك، ناقص ما تم دفعه من أرباح. ولا يوجد في الواقع رقم واحد يمكن النظر إليه ومعرفة حجم الثروة التي حققـتها الشركة منذ تأسيسها، وهذا أحد عيوب البيانات المالية للشركات.
هل يمكن لسعر السهم السوقي أن يبين لنا مقدار الثروة المتحققة منذ تأسيس الشركة؟ بالطبع لا يمكن ذلك، والسبب هو أن السعر السوقي مجرد رقم متحرك يرمز لسعر السهم الواحد حسب قوى العرض والطلب في أي وقت من أوقات التداول، ولا يعبر عن قيمة الشركة ككل بعد ضربه في عدد الأسهم المصدرة. أي أنه عندما نجد أن سعر سهم شركة سابك الآن 97 ريالاً وعدد أسهمها المصدرة ثلاثة مليارات سهم، تكون قيمتها السوقية نحو 291 مليار ريال، غير أن هذا لا يعني أنه بالإمكان شراء ''سابك'' بهذا السعر، لماذا؟ بغض النظر عن ملكية الحكومة في ''سابك''، من غير الممكن لأية جهة شراء جميع أسهم الشركة بهذا السعر لأن أسهم الشركة ليست جميعها معروضة للبيع بهذا السعر. ولو كان هناك بالفعل جهة ترغب في شراء جميع أسهم الشركة، فعليها التقدم بسعر مناسب لها ولملاك الشركة، وهو سعر غير معلوم، لا يُعرف إن كان أقل أو أكثر من السعر الحالي للشركة. لذا فإن النظر إلى سعر الشركة التاريخي لا يعطي دلالة قاطعة لحجم الثروة المتحققة لملاك الشركة. أما بالنسبة للمساهم الصغير، فيمكن لسعر السهم السوقي أن يعطي دلالة على مدى الثروة المتحققة للفرد الذي استثمر في ''سابك'' لفترة محددة، سواء منذ تأسيسها أو في أي وقت لاحق، بسبب أن السعر السوقي يدل إلى حد كبير على مدى النمو المتحقق للفرد كون الكميتين المعروضة والمطلوبة للسهم تصلان إلى آلاف عدة من الأسهم في أي وقت من الأوقات، بشكل يكفي للفرد الشراء أو البيع بمقدار المال المستثمر لديه.
الطريقة الوحيدة لمعرفة حجم الثروة المتحققة لأية شركة يتم بجمع قيمة الأرباح الموزعة منذ تأسيس الشركة مع المبلغ الحالي لحقوق المساهمين، ومن ثم خصم مبلغ رأسمال الشركة الأصلي الذي به تأسست الشركة، فيظهر لدينا حجم الثروة التي حققـتها الشركة منذ تأسيسها.
يمكن كذلك النظر إلى القيمة الدفترية للسهم ومقارنتها بالقيمة الاسمية للسهم، المثبتة عند عشرة ريالات وفقاً لنظام الشركات السعودي. فنجد في حالة شركة سابك أن القيمة الدفترية حالياً نحو 50 ريالاً، أي أن المالك الذي دفع عشرة ريالات في ''سابك'' قد نمت حصته الدفترية خمسة أضعاف منذ تأسيس الشركة، إضافة إلى ما تم تسلمه من أرباح موزعة، وهذا بلا شك رقم كبير ويدل على مدى نجاح شركة سابك في سوق الأسهم السعودية، خصوصاً إذا علمنا أن ''سابك'' توزع سنوياً ما بين ريالين إلى ثلاثة ريالات مقابل كل سهم. غير أن هذا – مرة أخرى – لا يبين حجم الثروة للأسباب ذاتها التي ذكرناها أعلاه. هنا نجد أن أفضل ثلاث شركات من حيث القيمة الدفترية للسهم الواحد هي شركة سابك (50 ريالاً)، تليها شركة الدوائية (40 ريالاً)، ومن ثم شركة أسمنت العربية (38 ريالاً)، وأسوأ ثلاث شركات جميعها شركات تأمين: سند (4,49 ريال)، والأهلية (4,47 ريال)، ووفا للتأمين (3,62 ريال). هذه الشركات الثلاث تعني أن الأموال المستثمرة فيها قد تناقصت بشكل كبير (من عشرة ريالات)، وأنها تواجه خطورة الإيقاف والمساءلة من قبل هيئة السوق المالية.
بالعودة للشركات السعودية نجد أن أكبر ربحية لآخر أربعة فصول تأتي من نصيب شركة سابك (25 مليار ريال)، تليها شركة الراجحي (ثمانية مليارات ريال)، ثم شركة اتحاد اتصالات (6,4 مليار ريال). هنا علينا الانتباه إلى أن النظر إلى الربحية كأرقام مطلقة تكون مضللة إلى حد كبير، ما لم ننظر إلى حجم الأموال المستثمرة في هذه الشركات. هذا يقودنا إلى العائد على حقوق الملاك، وهو المؤشر الذي يقيس حجم الربحية مقارنة بإجمالي الأموال المستثمرة، ونجد أن أفضل ثلاث شركات (حالياً) هي شركة جرير (56 في المائة)، ثم شركة التموين (49 في المائة)، ثم شركة سافكو (46 في المائة)، حيث كما نرى أن أفضل شركات من حيث الربحية ليست أفضل من يحقق عوائد عالية لملاكها.
ختاماً، إن النظر إلى البيانات المالية محفوف بعدد من المخاطر ولا يمكن الاعتماد عليها من خلال رقم واحد، لا من حيث معرفة حجم الثروة المتحققة لملاك الشركة، ولا من حيث معرفة أفضل شركة للاستثمار، بل علينا دراسة عدد من البيانات ومعرفة الترابط فيما بينها.