رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


بيان «الخبازين» في جراحة العيون

كل شيء يقدم حقيقته ـ هكذا في الفلسفة ـ وفاقد الشيء لا يُعطيه، إن مؤتمر الخبازين الرفيع القدر العظيم المنزلة، والجليل المكانة لهيئة كبار الخبازين والذي انعقد لمناقشة جراحة شبكية العين تحديداً، بالرغم من أن جراحة العيون ليست فيما تناله أيديهم ويختلف كلياً عن الطي والنشر للعجين المعتادين عليه والمقبول منهم والمرضي عنهم نفعه وفضله ومذاقه.
في الواقع رغم أننا أحسنا الظن بالخبازين الفضلاء، ودون سوء نية.. إلا أن قبول رأيهم في جراحة العيون ـ يعتبر جنوناً صرفاً ـ وإن اتفق بعض قولهم والواقع.. ثمة قاعدة قهرية في المعرفة تسمى الاختصاص وضرورته، والتأهيل في العلم ومقدماته. ولذا نجد معاقبة انتحال الصفة في المهن ذات الشأن في المجتمع قديمة جداً، حتى أن الفقهاء من القرن الأول الهجري، قالوا بوجوب دفع الدية على دعي الطب. وتعزيره وكما يلزم بعوض الضرر من المعالج الجاهل.
هذه الصورة الخيالية! هي تماماً ما يبديها المثقفون في حديثهم عن الفقه وأحكامه، فهو كغيره من العلوم ليس كهنوتاً ومتاحاً لمن يطلبه ويسعى إليه، وبعد أن يصابر نفسه مع الذين يتعلمونه في آناء الليل وأطراف النهار. وحين يبلغ رشده فيه، بطي مقدماته الأولية، وأصوله الكلية، وثوابته القطعية الثبوت. حين ذاك إن قال وضع قوله في الموازين، ووزن بالمثاقيل. وإن استدل فله ركن وثيق من كتاب وسنة ثابتة. وقد قال الله ـ عز وجل ـ: ''‏‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ منِيرٍ'' (سورة الحج – 8)، وهذه هي الشروط الثلاثة الواجبة العلم ثم ''الهدى'' من الله وتوفيقه، وأن يكون من كتاب الله وإلى كتاب الله في حركة فكره وتكوين أحكامه.
وقد ذم الله المُنطلق من أناه في الحديث عن دينه: ''ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا'' 36 الإسراء، ولذا عدم حشمة بعض حملة القلم من الفتوى في العقائد والدين والشريعة.. غير مستساغ بحسب الأصول المنطقية للاستنباط التي يأتي في أولها إدراك المقدمات، والتسليم بمرجعية الثوابت التي لا يجوز الاجتهاد مقابلها ولا الخروج عليها.
ولو لم يكن كذلك.. لكان لكل عقل دينه الذي يخصه، ولكل إنسان إسلامه الذي يشتهي ''وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى‏ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَريقاً كَذَّبْتُمْ وَفَريقاً تَقْتُلُونَ''. ويؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وربما هذا الذي يشير إليه الله بدين الهوى ''أرأيت الذي أتخذ إلهه هواه''.
عدم الحشمة تلك استلبت أحكاماً ثابتة بسبب ''الأنا'' التي تجعل ذاتها مقابل الله ورسوله تماماً، وتعاند صريح كتاب الله، وصريح الثابت من سنة رسوله، أي أننا أمام عدم التسليم لله وللرسول، والخروج عن ''أطيعوا الله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم''، ''وقالوا سمعنا وأطعنا سبحانك ربنا وإليك المصير''، ''وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا''، وحيث إن هذه الذات تعاظم نفسها، حيث تعتبر ما لا ترغب فيه يجب أن يكون من سقط المتاع، ومرذول القول لا ترى العبودية لله التي تمثل علة الحياة الدنيا.
سقط الفرق الشاخص من بعضهم بين ـ طالب العلم ـ طالب التبصر، طالب الفهم، طالب معرفة ما يجهل.. عن العلة والسبب في الحكم الشرعي.. وبين رفض ما لا تبصره العين.. علة ظاهرة لتحريمه.. أو لا يقبض العقل بالضرورة على سبب جلي لوجوبه.. تلك سنة الأديان وقاعدة العبودية، وفروض التسليم، وهذا هدي الاتباع بما ينتهي للإيمان بالغيب. والترحل لعوالمه البعيدة الحاضرة، والغائبة الشاهدة. والمتوارية الجلية، والحس وما بعده وما قبله، الأول في منطلقه والآخر في التسليم به.
أن تصلي المرأة ـ مجللة بستر جسدها ـ ليس لأنها أنثى تواري أنوثتها عن ربها، بل هي كما هو الرجل تماماً - التهذيب - في حضرة الربوبية، بذل العبودية بين يديه، وبما هو خليق بنظر الملائكة. وبالصورة التي يباهي الله بها سكان سماواته، الذين أدركتهم الخشية من فساد هذا المخلوق الضعيف العاجز.. وهلك الحرث والنسل. وسفك الدم الحرام، ليس في المقام هنا تأنيث ولا في المقام تذكير، بل هي نفس واحدة، هو أولها بالخلق والنفخة الأولى وإليه الرجعى. إلا أن لكل عبادة شروط صحة، وشروط قبول. وليس في كلها بالضرورة يدرك علتها العقل، ولا ينتهي إلى حكمتها المتأمل دون فرض العبودية.
ما يثيره البعض من حملة القلم من تشكيك في التشريع الثابت - في فقه المسلمين - قد يجعل عقولاً لا زاد لها من المعرفة والتبصر تنزلق إلى ما نكره، وربما لو كان سؤالاً برجاء التبصر عند أهل الذكر لكان أفضل زكاة وأبلغ حكمة، فلا يسع المسلم في الثابت من شرع الله إلا ''سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي