العرب والغرب .. كيف توظف المقدرات لخدمة المصالح؟
في رسائل الأسابيع الماضية حاولنا أن نقدم تعاريف لبعض المصطلحات المبهمة منها "المجتمع الدولي" و"الغرب أو الدول الغربية"، وخلصنا إلى القول إن هذه المصطلحات رغم عموميتها لا تمثل إلا دولاً محددة أو مجموعات بشرية معينة، لا مكان للعرب والمسلمين فيها، رغم سيطرتها شبه المطلقة تقريبا على مقدرات الذين يقعون خارج نطاقها الجغرافي.
ولا يخلو الخطاب العربي من مصطلحات مبهمة، فمثلا عبارة "الوطن العربي" و"المجتمع العربي أو المجتمع الإسلامي" فيها كثير من الغموض والإبهام. إن كان بإمكاننا، ولو بعسر شديد، استيعاب المصطلحات الشائعة في الخطاب الغربي التي نوهنا عنها أعلاه فإنني أرى أنه من الصعوبة بمكان تقديم حتى تعريف مبهم لكثير من المصطلحات الشائعة في الخطاب العربي.
والمصطلح لغة يعبر عن واقع اجتماعي. واللغة تؤثر في الواقع الاجتماعي والواقع الاجتماعي يؤثر فيها والاثنان يدخلان في علاقة جدلية. بمعنى آخر كل مصطلح يعبّر عن شيء موجود أو حاضر في الواقع الاجتماعي ذهنيا أو ماديا "طبيعيا".
ونخطئ الظن إن تصورنا أن صياغة المصطلحات الأساسية في الخطاب الغربي تأتي اعتباطا. لا يصاغ مصطلح ولا يتم تداوله إلا بعد دراسة مستفيضة. الغرب لا يعتمد على القوى الاقتصادية والعسكرية لحماية نفسه ومصالحه؛ يرى في الخطاب والكلمة سلاحا ربما أشد فتكا.
لا أريد الغوص في تفاصيل الخطاب الغربي، رغم أن تحليل الخطاب جزء من اختصاصي الأكاديمي، ولكن دعني أقول هنا إن الكثير من المصطلحات اللغوية التي يصوغها الغرب أساسا لمحاربة العرب والمسلمين يتبناها العرب والمسلمون لمحاربة بعضهم بعضا. فمثلا مصطلحات مثل "الناشطون والإسلاميون والمتشددون والمقاتلون غير الشرعيين" يتداولها الخطاب العربي وكأنها عربية المنشأ وليست إعارة لغوية "ترجمات حرفية" لما يرد في الخطاب الغربي من تعابير غالبا ما تستخدم لتوصيف العرب والمسلمين بطريقة سلبية.
والغرب، بالمفهوم الذي أوضحناه في هذا العمود، لا يتكلم "من حيث اللغة والخطاب" بصوت واحد تقريبا في كل ما يخص العرب والمسلمين، بل إنه يتصرف تجاههم وكأنه كيان واحد ومجتمع متناسق على جميع الأصعدة، رغم الخلافات والفروق الشاسعة بين شعوبه من حيث اللغة والثقافة والبنية الاجتماعية.
كيف ولماذا صار العرب مثلا رغم شراكتهم في أغلب الأصعدة التي تفرق الغربيين ليس فقط مختلفين ومشتتين بل محاربين لبعضهم بعضا بطريقة وأسلوب خارج نطاق الاستيعاب الحضاري والمدني لعصرنا هذا.
"الوطن العربي" مصطلح مهلهل، لأن الواقع الاجتماعي العربي يؤشر إلى أوطان ينخر فيها الفساد وحب السلطة وتتقاذفها أمواج الطائفية والمذهبية المقيتة، وكل واحد منها تقريبا في صراع أولا مع نفسه وثانيا مع جيرانه وثالثا مع "المجتمع الدولي" أو "العالم الغربي".
والعالم الغربي يوظف كما قلنا كل مقدراته للنيل من "الوطن العربي" أو "العالم الإسلامي" من خطاب وإمكانات مادية واقتصادية وعسكرية. وإن اختلف مع أي بلد من "الوطن العربي" أو "المجتمع الإسلامي" يهرع برمته لاستخدام الإمكانات التي يحتكرها ــــ مثل السلاح والقوة العسكرية والتكنولوجيا والتأمين والسيطرة على العملة الصعبة والتحويلات المالية والتجارة وغيرها ــــ ضمن سياسات الحصار الاقتصادي، التي حتى الآن لم تكتوِ بنارها إلا أوطان عربية وإسلامية.
هل العرب والمسلمون دون طاقات وإمكانات؟ كلا؛ لهم من الطاقات والإمكانات ما يرد الصاع صاعين، ولكن الأنظمة همهما الحفاظ على ذاتها بأي ثمن حتى وإن تطلب الأمر محاربة شعبها ومن اختلف معها من الأشقاء، ولهذا ترى مثلا أن الطاقة من نفط وغاز التي يتحكم فيها العرب والمسلمون أُخرجت من ساحة الصراع، بينما ما يتحكم فيه الغرب من طاقات هو في قلب الصراع.