رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل اقترب زمن الثورات الإدارية؟

أذهلتنا موجة الثورات المطالبة بسقوط الأنظمة التي تعصف بالوطن العربي منذ أمد، فما إن تخمد ثورة في بلد حتى تشتعل في بلد آخر. والكل يتساءل: من وراءها؟ من يدريها؟ ولماذا لم تستطع أي قوة إيقافها، أو تهذيبها، أو تغيير اتجاهها، بل نراها سائرة حتى تصل إلى مبتغاها بثقة وتحقق أهدافها بدقة. وعلى أثرها تغيرت أنظمة بعض الدول عنوة من دون تدخلات أجنبية أو حروب خارجية أو مؤامرات دولية، بل حدث التغيير من الداخل بثورات شعبية اشتعل فتيلها في مدينة مغمورة في أقصى الجنوب أو قرية منعزلة في أقصى الشمال. وكل ما قيل من تفسيرات وتأويلات عن أسباب تلك الثورات لا تخرج عن كونها اجتهادات شخصية وآراء فردية، ولا يعلم سر ما يحدث إلا الله - سبحانه وتعالى.
وهذه الثورات جعلت الشعوب العربية متخصصة في إسقاط الأنظمة كما فعلوا ذلك من قبل مع المستعمر الذي أتى يستنزف الأرض، ويهتك العرض، ويهلك الحرث والنسل، فطردوه شر طردة ولقنوه درساً في حب الشعوب لأوطانها ولم يعد يفكر أن يأتي إليهم إلا متخفيا في وجه مواطن خائن أو عميل مزدوج. ولقد حاولت بعض الأمم أن تنهج نهج الشعوب العربية في إشعال وإدارة الثورات، إلا أن محاولاتهم ماتت في مهدها ووئدت قبل أن تخطو أولى خطواتها.
ولا ندرى ما الذي سيحدث بعد أن تضع هذه الثورات أوزارها وتخمد نارها. هل سيعود الأمر إلى غير أهله مرة أخرى؟ أم ستتولى الأنظمة القديمة مقاليد السلطة بوجوه جديدة وأسماء مختلفة؟ أم أن هذه الثورات ستغير ملامح الحكم القديم وتنشئ أنظمتها من جديد على أنقاض الأنظمة البائدة بدستور لا يمت للماضي بصلة؟ الذي اتضح لنا إلى الآن أن هناك ثورات اشتعلت عندما يئست الشعوب من التغيير وقنطت من الإصلاح فهبت وانتفضت ولا يهمها ما سيكون عليه الحال في المستقبل، لأنه مهما كان سيئا فلن يكون أسوأ من الحاضر الذي تعيشه، كما أن الشعوب تحب التغيير وتسأم الجمود ولو كلفها ذلك الكثير من التضحيات وفقد الإنجازات.
وفي ظل هذه الزلازل الشعبية المدوية يظهر لنا هذه الأيام ثورات من نوع آخر تتشكل في مؤسسات بعض الدول العربية. وهذا يثير لدينا سؤالا يحتاج منا إلى إجابة وهو: هل نتوقع أن تنتقل موجة الثورات المطالبة بسقوط الأنظمة في بعض الدول العربية إلى مؤسسات الدولة الإدارية وهيئاتها ووزاراتها؟ هل نتوقع أن تكون هناك ثورات على قيادات إدارية ديكتاتورية في مؤسسات مدنية وشركات حكومية، على غرار الثورات المطالبة بإسقاط الأنظمة؟ هل نتوقع أن يقوم الموظفون والعاملون في مؤسسات الدولة بإشعال ثورات إدارية على غرار الثورات السياسية؟
الذي قيض عندي هذا التساؤل، التشابه بين الأنظمة التي تحكم بعض الدول العربية والأنظمة الإدارية المعمول بها في مؤسسات بعض الدول العربية. نلاحظ بعض الإدارات والمؤسسات المدنية في بعض الدول العربية نلاحظ أنها ترتكب الأخطاء نفسها، وتمارس الظلم نفسه، وتنهج الطرق نفسها التي تنتهجها الأنظمة السياسية على مواطنيها. فهناك تشابه تام بين أنظمة الحكم في بعض الدول العربية التي سقطت في الآونة الأخيرة أو تلك التي تحتضر الآن، وبين بعض الهيئات الإدارية في تلك الدول وفي غيرها من الدول العربية من استفحال الظلم، وزيادة معدلات الفساد، وبروز الأمراض الإدارية المستعصية على التغيير، وصعوبة إصلاح وتغيير القيم والأعراف التي تشبثت بالثقافات التنظيمية التي ليس لها حل إلا الثورة، ونرى بعض هذه الهيئات الإدارية تعيش في بيئات سياسية لم تهب عليها رياح التغيير لكنها تعاني تسلط القيادات الإدارية، وعدم العدالة الوظيفية، وتلفيق التهم وغيرها من الجرائم، الفرق أن تلك تمارس على المستوى السياسي للدولة وهذه مقتصرة على مؤسسات الدولة. لذا نحن نتساءل: هل ستنتقل الثورات إلى هذه المؤسسات وتسعى البيئات التنظيمية للهيئات العربية بإسقاط القيادات الإدارية التي جثمت على صدرها عشرات السنين؟ وكيف ستكون ملامح ذلك التغيير؟ وكيف تختلف وتتشابه مع الثورات المطالبة بسقوط الأنظمة السياسية؟
أرجو ألا يؤخذ كلامي هذا عبثا وألا ينظر إليه وكأنه مجرد خواطر أو أوهام، فكلنا نلاحظ ملامح ثورات إدارية قادمة - على غرار الثورات السياسية المطالبة بإسقاط الأنظمة في بعض الدول – نراها تتشكل وتنمو وتتحزب، وتوظف التقنية بشكل لافت للانتباه، والذين يديرونها ليسوا شيوخا مثلي، بل فتية يتخذون من شباب الثورة نموذجا، أولئك الذين أسقطوا أنظمة دولهم بطريقة حضارية لم يعرف التاريخ لها مثيلا، فهل سقوط الأنظمة السياسية أهون من سقوط الأنظمة الإدارية؟
حتى نطفئ اللهب المتأجج في الدماء الشابة ونخمد فتيل ثورات إدارية قادمة، أطلب من القيادات الإدارية في المؤسسات والهيئات والمنظمات العربية، وكذلك الوزارات المعنية أن تصلح حالها، وتتفقد أنظمتها، وتحقق العدالة بين منسوبيها، وتسعى لتغيير قيمها البالية، وتطهر المناخ التنظيمي، وتهذب السلوك الإداري، وتفعل نظام الحوافر قبل أن تنتقل إليها حمى الثورات فتتحول من المطالبة بإسقاط الأنظمة السياسية إلى المطالبة بإسقاط القيادات الإدارية في مؤسسات الدولة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي