الجمعيات الخيرية .. احترافية شبه مفقودة

انقضى شهر رمضان، موسم الخيرات والبركات، موسم يتضاعف فيه العمل الخيري أضعاف ما يتم خلال بقية الأشهر الأخرى، إقبال الناس على فعل الخيرات ومساعدات الآخرين توحي لك بأنه لن يبقى في هذا البلد فقير أو محتاج. لكن الحقيقة المؤلمة أن هذا الموسم الفضيل تزيد فيه عدد حالات التسول، ويظهر العوز على عدد كبير من المحتاجين.
هذا الأمر يوحي بوجود مشكلة فعلية في إدارة العمل الخيري، التي يجب أن تتحمل عبئا كبيرا موازيا ومكملا للدور الذي تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية. فمن أهم المشكلات التي تواجه العمل الخيري عدم استثماره للتطور التقني الهائل في رصد وممارسة العمل الخيري أو حتى في التواصل مع جمهور المتبرعين والمستفيدين بشفافية واحترافية.
كنا وما زلنا نتمنى ألا نرى هذا التفشي الكبير لظاهرة التسول في كل مكان في المساجد، في الأسواق، عند إشارات المرور وفي الطرقات العامة، سواء من فقراء البلد أو من المقيمين على أرضه، فتوفير الحياة الكريمة حق وضرورة لكل من وجد على هذه الأرض.
إدارة العمل الخيري يجب أن تتحرك سريعا لتركز على بناء جسور الثقة بينها وبين جمهور المتبرعين وبين المحتاجين، فحجم الإنفاق على العمل الخيري في المملكة كبير. ومساعدة الفقراء على سد احتياجاتهم وتوفير حياة كريمة لهم ليست أمرا موسميا يشتد سوقه مع أشهر الخيرات، لكن يجب أن يكون أمرا مخططا ومنظما على مدار العام.
حجم التبرعات، التي تنفق لو وجهت إلى طريق خاطئ لاستخدمت في أمور قد تضر بالمجتمع عامة، ظاهرة التسول أكبر مثال على ذلك، بعض حالات التسول تثبت أنها أصبحت صناعة وتجارة موسمية تدر عائدا كبيرا في مقابل لا يكاد يذكر، وحقيقة كثير من المتسولين لا يمكن إثبات مدى أو مقدار احتياجهم، بل يستدرون عطف الناس ويجمعون الأموال إن كثرت أو قلت من خلال اللعب على وتر العاطفة. وهنا يتحمل المتبرعون جزءا من المسؤولية في التثبت من مدى حاجتهم، يرافقه غياب تام من المؤسسات الخيرية في عرض خدماتهم وإنجازاتهم في هذا السياق.
لقد واجهت سوق العمل الخيري في المملكة بعض التنظيمات والتطويرات السابقة للحد من عمليات جمع الأموال بشكل مباشر، لكن ظواهر أخرى كالتسول، تحديد المحتاجين، وتوجيه الدعم الخيري المباشر لهم ومتابعة حالاتهم والتأكد من انقضاء العوز والحاجة التي يعيشونها لا تزال أمورا شبه غائبة عن العمل الخيري في المملكة، ويجب أن تأخذ دورها في الاهتمام والتنظيم والارتقاء بها حتى تحقق الأمان للوطن والمواطن والعدالة في تقديم المساعدات وضمان فاعليتها.
وكل عام وأنتم بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي