مكافحة المخدرات مواجهة التحديات بالتطوير
لا أحد ينكر أن بلادنا تواجه حربا شرسة تستهدف خيراتها الطبيعية ومواردها البشرية وأعني بذلك آفة المخدرات التي تكشف الإحصائيات عن عمل منظم وممنهج لإغراق البلد وتدمير ثروته الأولى والمتمثلة في شبابه وكشفت اعترافات كثير من المروجين أن الأمر يتجاوز تفكير ''عصابات مافيا المخدرات'' إلى تخطيط دول بعينها.
والدولة التي تنبهت لهذا الأمر مبكرا من خلال إنشاء الإدارة العامة لمكافحة المخدرات قبل 43 عاما تقريبا وأوكلت لها متابعة هذه الظاهرة ومكافحتها بكل الوسائل الممكنة، ولا شك أن هذه الإدارة التي يصل عدد فروعها إلى 93 فرعا بذلت جهودا كبيرة منذ إنشائها وأسهمت في إحباط آلاف العمليات الضخمة، وقدمت نخبة من أفرادها وضباطها شهداء للوطن وهم يؤدون واجبهم الوطني، لكن الصراحة تقتضي اليوم القول أن جهاز مكافحة المخدرات في حاجة إلى تطوير أساليبه لمواكبة المتغيرات والتحيات المتسارعة ليكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم ولا أبالغ لو قلت إننا نشهد أخيرا انتشارا غير مسبوق لظاهرة تعاطي وترويج المخدرات وربما استغل المروجون ثورة الاتصالات والثورة التقنية في خلق فرص أكبر لتسويق منتجاتهم القاتلة واستهداف المراهقين والشباب بشكل دقيق ومدروس.
هذه الثغرات التي يستغلها المروجون ليضاعفوا من نشاطهم في حاجة إلى مواكبة في الأداء من إدارة مكافحة المخدرات وفروعها في كل مدن المملكة وزيادة دعمها بالأفراد والآليات المناسبة.
وأتمنى من قيادات مكافحة المخدرات أن يضاعفوا من جهودهم الإعلامية والتوعوية، فالتوعية بخطورة المخدرات تضاءلت كثيرا خلال السنوات الأخيرة وإن حدث شيء من ذلك فتأثيره ليس بالشكل المتوقع نظرا لعدم اختيار الوسيلة المناسبة أو تحديد الشريحة المستهدفة وأرى أن التوعية الصحيحة يجب أن تتوقف أو تقتصر على حملات موسمية بل لابد من النزول إلى الميدان ومشاركة الناس في ذلك في الأسواق، والمتنزهات، والنوادي، وكل مدينة، وقرية. أما المدارس فهي المكان الأول الذي يفترض ألا يغيب عنه أفراد وضباط المكافحة وأتذكر حين كنت طالبا لا يكاد يمر شهر إلا وفي مدرستنا محاضرة، أو معرض توعوي، أو منشورات توزع.
وهذا حدث في جميع المراحل من الابتدائية وحتى الثانوية بل أتذكر أن هناك مسرحيات يقوم بها الطلاب بحضور من قادة المكافحة وغيرها من الأنشطة الهادفة التي تضاءلت أو اختفت من مدارسنا أخيرا وهو أمر يتطلب إعادة النظر وإعادة هذه المناشط الفعالة إلى مدارسنا؟
أما ثورة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي فقد خلقت بيئة خصبة لتواجد الشباب وتسجيل حضور فاعل لهم في معظم تفاصيلها وهذا يستدعي تواجدا فعالا وذكيا من جهاز المكافحة لخلق رسائل توعوية ذات طرح جذاب وأثر عميق وعلى سبيل المثال موقع ''يوتيوب'' الشهير الذي يرتاده الملايين يوميا حاولت أن أجد أي مادة توعوية عن المخدرات فلم أجد إلا اجتهادات ضعيفة لأفراد لا ينتمون لجهاز المكافحة، بل المؤسف أنني وجدت مقاطع تظهر تفوق بعض المروجين وهروبهم من أفراد مكافحة المخدرات واستعراضهم بسياراتهم بطريقة صنعت منهم أبطالا، والمؤسف أكثر أن مثل هذا المقطع حظي بمشاهدة أكثر من 400 ألف مشاهد خلال فترة قصيرة وربما تم الترويج له عن طريق رسائل ''واتس أب'' أو الإيميلات وغيرها من الوسائل.
إنني أعي حجم الجهود المبذولة من قبل إدارة مكافحة المخدرات وفروعها وهي محل التقدير، ولكن التفوق وحماية الوطن من الأشرار يتطلبان المزيد من الجهود والأفكار التطويرية.