التعليم التطبيقي بدلاً من النظري
كلما تأملت في مشكلة البطالة في بلادنا، التي تمثل مدخلاً لكثير من المشكلات السلوكية، والاجتماعية، ارتد تفكيري إلى النظام التربوي في بلادنا ومخرجاته، إذ يتحمل النظام التربوي جزءاً من المشكلة، فهؤلاء العاطلون فئات، منهم من لم يكمل الدراسة لأسباب فردية، إما لنقص في القدرات وإما لانخفاض في الدافعية، أو ربما لأسباب مرتبطة بالمدرسة كبيئة منفرة وغير جاذبة، ما حدا بالبعض لترك الدراسة، والبقاء في المنزل، ليتحول هؤلاء إلى عاطلين يرهقون كواهل أهاليهم، ويرهقون المجتمع بما قد يترتب على سلوكياتهم من أضرار بالمجتمع، ولسنا في حاجة إلى التفصيل في هذا الأمر. الفئة الثانية من العاطلين فئة مؤهلة تأهيلاً أكاديمياً، ودرست في المؤسسات التربوية من تعليم عام، وما بعد العام، لكن تأهيلهم لم يكن موجهاً لمجال أو مجالات تخدم احتياجات المجتمع، لذا لم يتمكنوا من الحصول على أعمال نظراً لعدم مناسبة تأهيلهم لما يحتاج إليه المجتمع.
الفئة الثالثة فئة دخلت المدرسة، وليس لديها مشكلات في قدراتها، أو دافعيتها لكنها لم تجد في المدرسة ما يتناسب مع قدراتها، أو مع ميولها ورغباتها، أي بمعنى آخر فشلت المدرسة في اكتشاف ما لدى هؤلاء الأفراد من استعدادات، أو ميول، ويؤسس عليها البرنامج الذي يتناسب مع هؤلاء الأفراد كي يكملوا مشوار الدراسة، لذا أصبح مصير هؤلاء الأفراد الخروج من المدرسة مبكراً. هل هذه مشكلة في النظام التربوي؟ نعم هذه مشكلة في النظام التربوي، فمن مسؤولياته اكتشاف الأفراد باستعداداتهم وميولهم، والسعي إلى إيجاد البرامج النوعية التي تخدم مثل هذه الفئة. حتى نكون أكثر دقة الهيئة التعليمية في المدرسة لم تبذل الجهد لمعرفة هؤلاء على حقيقتهم، أو لم تسع من الأساس نظراً لعدم اهتمامها أو لعدم تأهيلها التأهيل الكافي من البداية.
الإخصائي النفسي والتربوي في المدرسة يفترض ألا يكون دوره روتينياً بحتاً في دراسة ما قد يحال إليه من حالات، بل لا بد له من أن يعيش في الوسط الطلابي يناقشهم ويلاحظهم ويسبر سلوكهم، وتصرفاتهم، يعرف مشكلاتهم، ويكون بمثابة الصديق والأخ، بل يفترض أن يمارس دور ولي الأمر. ما لم يوجد الإخصائي المهيأ نفسياً وسلوكياً وتربوياً ومعرفياً لن نتمكن من الحد من حالات التسرب من المدرسة التي تمثل تراكماً من العاطلين في نهاية الأمر. لتلبية حاجة العاطلين إلى العمل لا بد من إعادة تأهيلهم بما يتناسب مع استعداداتهم وميولهم، ولعله من المناسب الأخذ بأسلوب التعلم التطبيقي بدلاً من التعلم القائم على الجانب النظري، الذي لا يناسب بعض الأفراد، وقد يكون سبباً في نفورهم من المدرسة والتعليم. التعليم التطبيقي يستهدف إكساب المهارة مباشرة دون التركيز على الأساس النظري، حيث يتم في هذا النوع من التعليم الاستخدام المباشر للأدوات والأجهزة ذات العلاقة بالمجال الذي يتدرب فيه الطالب، فمثلاً يمكن تأهيل فرد ليكون متخصص دهانات دون الحاجة إلى الخوض في المعلومات النظرية، فممارسة الفرد أعمال الدهان ستمكنه من اكتشاف أسرار هذه المهنة ومن ثم إجادتها. وهذا ينطبق على كثير من الأعمال كأعمال الزجاج، والكهرباء التي قد يكون التدريب عليها لأسابيع أو أشهر ومن ثم يكون الفرد جاهزاً لدخول سوق العمل التي تنتظره.