رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الغرب يتكلم بصوت واحد فيما يخص العرب والمسلمين

هناك مصطلحات من الصعوبة بمكان تقديم تعريف موائم لها، لأن مدلولاتها لا تنطبق مع صياغتها اللغوية. فمثلا ''المجتمع الدولي'' مصطلح غريب لأن صياغته اللغوية بعيدة جدا عن مدلوله المعنوي حيث إنه عمليا يشير إلى دول غربية محددة في أوروبا وأمريكا الشمالية.
إذا مصطلح ''المجتمع الدولي'' عرقيا ودينيا وأثنيا وحضاريا وتاريخيا يخص مجموعة بشرية محددة ويقصي المجاميع البشرية الأخرى من ضمنهم العرب والمسلمين. مع ذلك أغلبنا يردد هذا المصطلح مثل الببغاء وكأننا نشير إلى إرادة ورغبة غالبية شعوب وحكومات الدنيا.
و''المجتمع الدولي'' هذا يمثل الغرب ولكن ليس الغرب برمته، حيث هناك دول وشعوب أساسية خارج نطاقه منها روسيا مثلا. وتعبير ''الغرب'' الذي يقترب في معناه من ''المجتمع الدولي'' أيضا مصطلح يكتنفه بعض الغموض من الناحية الجغرافية، لأن نطاقه يضم دولا في أمريكا الشمالية -الولايات المتحدة وكندا- وأستراليا ونيوزيلندا.
وإن قاربنا وقارنا بين الغرب بالمفهوم أعلاه وبين المجتمع أو العالم العربي والإسلامي لظهرت لنا حقائق ومفارقات عجيبة لا أعلم إن كان أصحاب الشأن من العرب والمسلمين على دراية بها.
على قدر علمي أرى أن مصطلح ''المجتمع الدولي'' لا يأخذ مداه إلا عند تعلق الأمر بقضية تخص العالم العربي والإسلامي. في أي شأن عربي أو إسلامي غالبا ما ترى أن الدول التي تشكل ما يسمى بـ ''المجتمع الدولي'' تتحدث بصوت واحد وتتصرف بنسق واحد.
في كل قضية عربية أو إسلامية، هذه الدول تتخذ قرارات جماعية. ولكن أي شكل من القرارات؟ القرارات التي غالبا ما تزيد بلاء العرب والمسلمين من غزو وهجوم وحصار وحملات إعلامية معادية. هكذا مواقف جماعية وحازمة نادرا ما يتبناها أعضاء ''المجتمع الدولي'' بشأن أي قضية غير عربية أو إسلامية.
لنأخذ القضية الفلسطينية مثالا. ''المجتمع الدولي'' له صوت وموقف واحد لم يتبدل تبديلا منذ نشأة الكيان الإسرائيلي الغاصب رغم تبديل وتذبذب مواقف العرب والمسلمين من مقاومة حازمة غير مساومة إلى تنازلات ما كانت تخطر بالبال سابقا.
و''المجتمع الدولي'' لا علاقة له بالقانون الدولي أو المعايير والأخلاق الدولية عند تعلق الأمر بالعرب والمسلمين، ولهذا لم ولن يحرك ساكنا لوضع حد لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية رغم بشاعته وانتهاكه لأبسط المعايير الإنسانية والأخلاقية وليس الدولية واستمراره لنحو ستة عقود.
و''المجتمع الدولي'' يفرض على العرب والمسلمين التحدث معه وكأنه وحدة متماسكة أو دولة أو مجتمع واحد، ولكن لا يقبل ويرفض أن يتحدث معه العرب والمسلمون وكأنهم صوت واحد. وهذه ظاهرة ملفتة للنظر حقا، لأنها تساعد على الانفراد بالمجتمعات والدول العربية والإسلامية إن غزوا أو حصارا أو هجوما.
أقسى حصار اقتصادي شهده العالم في تاريخه هو من بنات أفكار ''المجتمع الدولي'' ولكن أغلب ضحاياه هم من العرب والمسلمين. وأكثر المجتمعات التي وقعت ضحية غزو في العصر الحديث على يدي ''المجتمع الدولي'' هي بعض الدول العربية والإسلامية. وضحايا أسلحة ''المجتمع الدولي'' الفتاكة ولا سيما الطائرات المسيرة هم من العرب والمسلمين.
ولأن الغربي يريد دائما الانفراد بالدول العربية والإسلامية ويرفض أن تتحدث معه بصوت واحد، تشرذمت هذه الدول وانقسمت على نفسها إلى درجة صار بعضها جزءا لا بل أداة طيعة لتنفيذ رغبات ''المجتمع الدولي'' للانفراد بالعرب والمسلمين.
فقدان الصوت الموحد للعرب والمسلمين يجعلهم فريسة سهلة لـ ''المجتمع الدولي.'' ولأنهم يتحدثون مع الغرب فرادا، صار من السهل تطويعهم. ولأنهم منفردون صار اليوم من الصعب عليهم اتخاذ موقف جماعي ليس تجاه ''المجتمع الدولي'' بل حتى بشأن ما يحدث في مصر مثلا حيث تتباين مواقف مجتمعات متناسقة وتقريبا وموحدة من حيث الدين والحضارة والثقافة مثل دول مجلس التعاون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي