عام 2014 من المتوقع أن يشهد أيضا فائضا في الإمدادات النفطية
إن أسواق النفط العالمية من المتوقع أن تشهد سنة أخرى من الفائض في الإمدادات النفطية، وفقا لأحدث توقعات أسواق النفط العالمية لعام 2014 التي صدرت أخيرا عن ثلاثة مراكز بحثية رائدة في هذا المجال - وكالة الطاقة الدولية IEA، إدارة معلومات الطاقة الأمريكية EIA ومنظمة الدول المصدرة للنفط أوبك. على الرغم من أن نمو الطلب على النفط من المرجح أن يكون أكثر قوة في العام المقبل، إلا أن النمو في الإمدادات النفطية من الدول المنتجة من خارج منظمة أوبك من المتوقع أن يتجاوز تلك الزيادات. في ضوء ذلك، الطلب على نفط منظمة أوبك سينخفض، ما قد يسهم في زيادة الطاقات الإنتاجية الاحتياطية ويوفر ضمانا للأسواق من أي انقطاعات في الإمدادات غير المتوقعة.
مثل هذه التوقعات تنذر بانخفاض الأسعار، لكن هذا غير مؤكد، مثلما أظهرت هذه السنة، حيث واجه المحللون والمتابعون لحركة الأسواق صعوبة في تفسير هذا التناقض بين ارتفاع الإمدادات النفطية وقوة الأسعار. على الرغم من أن أسواق النفط العالمية أظهرت وجود فائض ثابت في الإمدادات طوال النصف الأول من هذا العام، إلا أن عقود خام بحر الشمال برنت بقيت فوق 100 دولارا للبرميل وعقود خام غرب تكساس الوسيط تجاوزت أخيرا هذا الرقم أيضا، كما أن منحنيات العقود المستقبلية لهما في حالة التراجع Backwardation، أي أن أسعار الشهر الفوري هي أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، ما يعكس تشدد tightness في الأسواق الآنية للنفط.
إن السيولة التي قدمتها البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا من خلال برامج التيسير الكمي كانت داعمة لأسعار النفط. بصورة عامة زيادة السيولة النقدية تعتبر إيجابية لأسعار النفط. كما أن الخوف من التضخم إيجابي أيضا. التضخم قد يتسبب في مشكلات على الاقتصاد وعلى الطلب الفعلي على النفط، لكن مع ذلك قد يستمر كعامل دعم ولو مؤقت للأسعار عن طريق زيادة الطلب على النفط في الأسواق المالية، سواء من خلال زيادة الاستثمارات في التعاملات الورقية للنفط أو من خلال المضاربة أو التحوط من التضخم.
على الرغم من ثقة المحللين بتوقعات العرض والطلب، إلا أن التوجس أصبح أكثر شيوعا على خلفية زيادة المخاطر- عدم اليقين بخصوص النمو الاقتصادي قد يؤدي إلى إضعاف تقديرات نمو الطلب على النفط ما قد يحرف الأسواق بشكل حاد نحو الأسفل، في حين أن التهديدات بخصوص انقطاع الإمدادات من بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط تتزايد ما قد يضع ضغوطا تصاعدية على الأسعار.
باستثناء أية تغييرات في المخزون النفطي، الطلب على نفط منظمة أوبك من المتوقع أن يكون أقل في العام المقبل - حيث تشير تقارير ''أوبك''، وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى انخفاض الطلب على نفط المنظمة بين عامي 2012 و2014 بين 670 ألف برميل في اليوم و1.15 مليون في اليوم.
الملاحظ هنا أن الفرق في توقعات الطلب على نفط ''أوبك'' بين المراكز البحثية الثلاثة متقارب نسبيا ويتراوح ضمن مدى ضيق لا يتجاوز 380 ألف برميل في اليوم، إدارة معلومات الطاقة الأمريكية هي الأعلى عند 29.76 مليون برميل في اليوم ووكالة الطاقة الدولية الأقل عند 29.38 مليون في اليوم، في حين أن تقديرات منظمة أوبك جاءت في الوسط عند 29.61 مليون برميل في اليوم - هذا التوقع هو أقل من متوسط إنتاج المنظمة في حزيران (يونيو) بحدود مليون برميل في اليوم. التقارب في التوقعات بين المراكز الثلاثة يدحض المزاعم المتكررة بخصوص الدوافع السياسية لهذه التوقعات، من منتجين كانوا أو مستهلكين.
لكن في أماكن أخرى هناك اختلافات أكبر في التوقعات، حيث إن توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أكثر تفاؤلا بشأن نمو الطلب العالمي على النفط وبخصوص نمو الإمدادات من داخل المنظمة وخارجها، في حين أن توقعات منظمة أوبك كانت الأقل. تقارير المنظمات الثلاث تتوقع بصورة عامة انخفاضا في الطلب على النفط في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، لكن معدل الانخفاض أبطأ من السابق، في حين أن الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي سيستمر في الارتفاع. في جميع التوقعات، الصين عنصر رئيس في نمو الطلب على النفط للدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي، لكن في حين تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تسارع بسيط في نمو الطلب الصيني على النفط إلى 389 ألف برميل في اليوم من 360 ألف برميل في اليوم هذا العام، تتوقع منظمة أوبك أن يبقى نمو الطلب الصيني على النفط ثابتا نسبيا في عام 2014 مقابل هذا العام ضمن مدى 300-330 ألف برميل في اليوم. هناك أيضا اختلاف ملحوظ في مستويات العرض والطلب بين أرقام منظمة أوبك والتقريرين الآخرين، يتعلق على ما يبدو باستبعاد ''أوبك'' بعض وليس كل الوقود الحيوي من تقديراتها.
على الرغم من أن أسواق النفط العالمية من الناحية النظرية ستشهد فائضا في الإمدادات في عام 2014 كما أسلفنا، لكن يبدو أن هناك شيئا مفقودا في تفسير لماذا الأسعار تحوم عند مستوياتها الحالية. على ما يبدو أن المضاربين في الأسواق المالية للنفط منحازون إلى التوقعات الطويلة الأمد ويراهنون على ارتفاع الأسعار، حتى في ظل ضعف الأساسيات الحالي. لكن حركة المضاربين هذه تستطيع أن تذهب فقط حتى الآن في تفسير حالة ''التراجع'' Backwardation، ومرونة الأسعار.
من ناحية أخرى، من الممكن أن يكون الطلب على النفط من قبل شركات التكرير والمستهلكين جيدا جدا وأعلى من تقديرات التوقعات الحالية، حيث من الممكن على سبيل المثال أن تقوم الصين بملء احتياطيها البترولي الاستراتيجي المتنامي. الطلب على النفط ربما يكون عاملا رئيسا في دعم الأسعار، لكن إذا ما تلكأ النمو الاقتصادي، قد يضع ضغوطا تنازلية على الأسعار، ما قد يستدعي من منظمة أوبك التحرك لمعالجة الفائض في الإمدادات وتحقيق التوازن في الأسواق.
تنويه: المقال يعبر عن رأي الكاتب الشخصي وليس بالضرورة يمثل رأي الجهة التي يعمل فيها.