قصة ضائقتين
إن التشابه بين بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك الشعب الصيني ليس كبيراً عادة، ولكنهما مرا بتجربتين متماثلتين في الأسابيع الأخيرة ــ ولم تكن أي منهما تجربة سارة.
بدأت ضائقة بنك الاحتياطي الفيدرالي بمؤتمر صحفي عقده رئيسه بن برنانكي في التاسع عشر من حزيران (يونيو) ، حيث حذر من أن مشتريات بنك الاحتياطي الفيدرالي من الأوراق المالية طويلة الأجل قد تبدأ في التراجع إذا استمر الاقتصاد على أدائه الطيب ــ وبخاصة إذا انخفض معدل البطالة إلى 7 في المائة. فانخفضت أسعار الأسهم وسجلت العائدات على سندات الخزانة الأمريكية ارتفاعاً حادا. وانخفضت قيمة عملات الأسواق الناشئة بسبب المخاوف من أن تعكس تدفقات رأس المال القادمة من الولايات المتحدة اتجاهها.
الواقع أن رد الفعل كان متطرفاً ومزعجاً إلى الحد الذي جعل عدداً كبيراً من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي يشعرون بأنهم مضطرون إلى التوضيح. فشرحوا لنا أن القول إن سياسة "التيسير الكمي" التي يتبناها بنك الاحتياطي الفيدرالي قد تنحسر يختلف عن القول إنها سوف تتوقف تماما. وسيتم تحديد متى وكيف يتم تخفيض المشتريات من الأوراق المالية اعتماداً على البيانات الواردة. وبشكل خاص، لم يكن هناك ما يضمن الوصول إلى معدل بطالة 7 في المائة قبل نهاية العام.
وبالمصادفة، كان التاسع عشر من حزيران (يونيو) هو نفس اليوم قرر فيه بنك الشعب الصيني عدم توفير سيولة إضافية لأسواق الائتمان المتوترة في البلاد. وبدأ سعر الفائدة الذي تتقاضاه البنوك الصينية على القروض القصيرة الأجل فيما بينها يرتفع قبل أسبوعين بعد انطلاق شائعات مفادها أن بنكين من البنوك المتوسطة الحجم تخلفا عن سداد ديونهما. فارتفع سعر الفائدة بين البنوك من 5 في المائة إلى 7 في المائة. وتوقع المستثمرون أن يتدخل بنك الشعب الصيني، كما تعود دوما، لمنع الأسعار من الارتفاع إلى مستويات أعلى وإبطاء نمو الاقتصاد.
ولكن بنك الشعب الصيني لم يحرك ساكنا. فقد استشعر المسؤولون القلق من أن البنوك كانت تقدم القروض بقدر أكبر مما ينبغي من الحرية لشركات البناء والشركات الكبيرة المملوكة للدولة (والتي هي في كثير من الأحيان واحدة ونفس الشيء). وأعربوا عن قلقهم من أن البنوك كانت تقترض بإفراط عبر أذرعها المتخصصة في إدارة الثروات في سوق الليلة الواحدة من أجل تمويل استثمارات عالية المخاطر.
ولكن ينبغي لمحافظي البنوك المركزية، كمثل بقيتنا، أن يتعلموا من أخطائهم. ولكن تُرى ما هي الدروس المستفادة من هذا؟
الدرس الأول أن حدث التاسع عشر من حزيران (يونيو) يذكرنا بأن استراتيجيات الاتصال التي تنتهجها البنوك المركزية لا تزال غير ناضجة بعد. فقد سعى بنك الاحتياطي الفيدرالي مراراً وتكراراً إلى تفسير سياساته على نحو أفضل، ولكن إذا كانت كلمات قليلة مهدئة نسبياً قد تشعل ردود أفعال قوية إلى هذا الحد، فمن الواضح أن المستثمرين غير متأكدين، إن لم يكن الأمر قد اختلط عليهم تماما، من نوايا بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وكان أداء بنك الشعب الصيني أكثر رداءة، حيث لم يفعل أي شيء لإعداد الأسواق لاستراتيجيته الجديدة المكافحة للمضاربة. وتسعى السلطات الصينية إلى ترقية الرنمينبي إلى عملة دولية من الطراز الأول. ولكن ما حدث في التاسع عشر من حزيران (يونيو) في الصين يذكرنا بأن بنك الشعب الصيني بشكل خاص ومؤسسات صنع السياسات الصينية عموماً لا يزال الطريق طويلاً أمامها قبل أن تنجح في غرس الثقة اللازمة في الرنمينبي وفي هذه المؤسسات ذاتها.
والدرس الثاني هو أن البنوك المركزية قد يكون من الحكمة ألا تبالغ في ردة فعلها إزاء آخر الأنباء. ويبدو أن تصريحات بنك الاحتياطي الفيدرالي التي أشارت إلى اعتزامه إنهاء برامج التيسير الكمي كانت راجعة إلى أدلة حديثة للغاية تشير إلى أن الاقتصاد كان في تحسن. والآن بعد أن تفاعلت الأسواق بشكل سلبي، بدأ بعض المستثمرون يشعرون بالقلق من أن الاقتصاد أصبح في حال أسوأ نتيجة لذلك. ويتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن ينتظر توافر قدر أعظم من البيانات قبل أن يبادر إلى تعديل سياساته أو لغته.
ويبدو أن بنك الشعب الصيني بالمثل تفاعل بشكل مبالغ فيه مع بيانات تشير إلى طفرة ائتمانية لدى البنوك. والواقع أن بعض هذه الأدلة المفترضة كانت مضللة، لأنها لم تعكس أي شيء أكثر من مجرد تغيير في المعايير التنظيمية التي دفعت القروض المستترة إلى الظهور على السطح. وكان من الحكمة أن ينتظر بنك الشعب الصيني المزيد من البيانات، حتى يتسنى له أن يميز بين الاتجاه والخلل المحاسبي.
والدرس الأخير هو أن السياسة النقدية أداة غير ماضية في معالجة مشاكل أسواق الأصول. ففي غياب التضخم، كانت التحذيرات من نشوء فقاعات أصول جديدة هي التي ضغطت على بنك الاحتياطي الفيدرالي في الأساس وحملته على شراء الأوراق المالية الطويلة الأجل. وعلى نحو مماثل، فإن التخوفات بشأن أسعار العقارات كانت السبب في دفع بنك الشعب الصيني إلى تغيير مساره بشكل مفاجئ.
لا شك أن الفقاعات تشكل مصدراً للانزعاج، ولكن ما حدث في التاسع عشر من حزيران (يونيو) في الولايات المتحدة والصين يذكرنا بأن معالجة الفقاعات مسؤولية تقع على الجهات التنظيمية أولاً وأخيرا. ولا يملك محافظو البنوك المركزية أن يتجاهلوا مشكلة الفقاعات، ولكن يتعين عليهم أن يحذروا من التحرك قبل الأوان. وفي الوقت نفسه فإن المهمة الملقاة على عاتقهم أكبر كثيرا.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.