بين التأمين الصحي وتعزيز البنود من وزارة المالية

أرجو ألا أخيّب ظنك يا عزيزي القارئ فليس هذا المقال للمطالبة بالتأمين الطبي للموظفين، لكنه مقارنة بين إجراءات الحصول على موافقة العمليات الطبية من شركة التأمين وبين إجراءات الموافقة على تعزيز بند من وزارة المالية. ما يعجبني في نظام التأمين الطبي هو سرعة التواصل وإنجاز المعاملات والحصول على القرار المطلوب في الوقت المناسب، خاصة وهي تتعامل مع صحة الإنسان، وعندما أقول القرار المطلوب فليس بالضرورة أن يكون الموافقة، بل صدور القرار بحد ذاته هو ما يهمني في هذا المقال. فعندما يحتاج المريض الذي لديه تأمين طبي إلى إجراءات استثنائية مثل أشعة مقطعية أو عمليات جراحية أو تنويم لأي سبب كان، فإن على الأطباء كتابة تقرير واضح وتقديم التبريرات الطبية التي تؤيد التشخيص وتؤكد ضرورة الإجراء وليس استنزافا لشركة التأمين، فإذا أرسل الطلب بالإيميل إلى الشركة فإنها تباشره فورا سواء ليلا أو نهارا، وهناك طاقم من الموظفين للرد على الاستفسارات ومتابعة ما يتم على كل موضوع، تحول الطلبات إلى اللجان الطبية التي تبت في الموضوع حالا ثم ترد بالموافقة أو الرفض، هذه الإجراءات قد لا تستغرق نصف ساعة بدءا من كتابة التقرير الطبي وحتى صدور الموافقة بالإجراءات من شركة التأمين.
وبمقارنة هذا بموضوع طلب الجهات الحكومية من وزارة المالية الموافقة على تعزيز أو المناقلة فيما بين بنود أبواب الميزانية، فإن الأمر قد يستغرق شهورا، ويتسبب ذلك التأخير في تعطيل الكثير من المشاريع، والمشكلة أن آلية بناء الميزانية العامة للدولة قديمة جدا وهي مبنية على الأبواب والبنود التي يجب أن يخصص لكل منها مبلغ حتى لو لم تكن الوزارة أو الجهة في حاجة إليه أصلا أو إنه يخدم برنامجا واضحا فتتضخم ميزانية الجهات، بسبب تضخم البنود، بينما الاحتياج الفعلي للمبالغ مرتكز على بنود معينة موزعة بين الأبواب، ولذلك فما أن يبدأ الصرف الفعلي حتى تعجز البنود التي عليها البرامج ولا تفي بمتطلبات الجهة الحكومية فتسعى الجهة إلى استغلال البنود التي فيها وفر وتطلب المناقلة بين البنود لتعزيز البند الذي يواجه عجزا، فإذا كانت هذه البنود في باب واحد فلا مشكلة، ولكن إذا توزعت هذه البنود بين الأبواب أو أن المناقلة بما يتجاوز نصف الاعتماد فهذا يتطلب موافقة وزارة المالية ويستغرق شهورا عدة، خاصة إذا تقاطعت أيام العمل مع الإجازات والمواسم.
فمثلا، إحدى الجهات تحتاج إلى توريد أجهزة ومعدات ضرورية، والبند المخصص لا يغطي العقود التي تم إبرامها، فتتم المناقلة وقد تتجاوز نصف الاعتماد المقرر للبند، هنا لا بد من الرفع لوزارة المالية، ثم تبدأ المشكلة بالتعقيد إذا تأخرت الموافقة، بينما تكون الإجراءات قد تمت مع الشركة الموردة وبعضها قد قام بالتوريد فعلا، أو أن الشركة تريد الحصول على تعميد رسمي، بعد أن تمت الموافقة على عرضها، وفي الوقت نفسه فإن المجتمع يطالب بتوفير هذه الأجهزة والمعدات بصفة عاجلة، وتكون هذه الجهات الحكومية تحت ضغوط كبيرة بين الشركات الموردة والمجتمع وبين وزارة المالية، حالة أخرى تتم عند طلب الموافقة على المناقلة، حيث تطلب وزارة المالية تقريرا بما تم صرفه وبما تم الارتباط عليه، وهنا يوجد ربط آلي بين وزارة المالية وبين الجهات الحكومية لكنه ربط غير دقيق تماما، فالوزارات تكون قد استهلكت البند تماما من خلال ارتباطات مؤقتة، بينما لا يظهر لدى وزارة المالية سوى المنصرف والمرتبط عليه نهائيا فيكون البند أمام الوزارة ليس في حاجة إلى تعزيز بينما لدى الجهة بحاجة إلى ذلك، وحتى تظهر الارتباطات المؤقتة كارتباطات نهائية فإن هذا يأخذ وقتا من الإجراءات وتمر السنة، بينما لم يتم تعزيز البند ولم يتم توفير المتطلبات التي يحتاج إليها العمل.
فالقضية كما تبدو لي أن جزءا من التعثر الذي يصيب أعمال المؤسسات الحكومية في تنفيذ مشاريعها وتحسين عملياتها ليس بالضرورة خطأ بشريا عند أحد أو فسادا إداريا أو إهمالا بل هو بسبب طول الإجراءات وتعقدها، وكذلك بسبب قدم هذه الإجراءات وعدم مواكبتها لهذا الوقت والسرعة التي تحتاج إليها القرارات. وفي اعتقادي أن الحل المؤقت هو أن تتبنى وزارة المالية مفاهيم العمل الذي تقوم به شركات التأمين الطبي وأن يتم الرد بسرعة من خلال تشكيل لجان دائمة للتواصل المباشر مع الجهات الحكومية لفهم المشكلة ومعالجتها بسرعة وأن تكون لدى هذه اللجان صلاحيات مناسبة للموافقة، ما يعجل بالكثير من القرارات المهمة بدلا من أن تمارس الجهات الحكومية الكثير من المخالفات الخطيرة وليس أقلها بأن تقوم بتعميد الموردين، بينما ليس لها موافقة على تعزيز البند، وعندما يقوم المورد بطلب مستحقاته تبدأ مماطلة الجهة الحكومية أو قد يتم اتخاذ إجراءات أكثر تعقيدا للأمور، حيث تظهر للناس في نهاية المطاف وكأنها تلاعب وفساد وهي ليست أكثر من حسن نية ورغبة في الإنجاز تحولت إلى فساد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي