لماذا يقتصر «إفطار صائم» على وجبة الطعام؟
مشروع ''إفطار صائم'' فكرة عظيمة ذات مقاصد وفوائد عديدة، أولاها الأجر والثواب الذي يكسبه المحسن ـــ بإذن الله تعالى ــــ، إضافة إلى الشعور الجميل الذي يتركه في نفوس المسلمين الوافدين والفقراء وعابري السبيل، مما يعكس تراحم المسلمين ورأفتهم ببعضهم. ومما يثلج الصدر انتشار موائد الإفطار المليئة بما لذ وطاب من أصناف الطعام في جميع المدن والقرى. وهذه ظاهرة ليست جديدة، بل لها جذور تاريخية قديمة. فعلى سبيل المثال، اشتهر الصاحب بن عباد بالكرم في رمضان؛ فلا يدخل عليه أحد في منزله بعد العصر في شهر رمضان ويخرج من داره، إلا بعد تناول طعام الإفطار عنده.
ولكن مشروع ''إفطار صائم'' بوضعه الحالي يفتقر إلى اللمسة الإنسانية والتواصل الاجتماعي الحميم، وهو في حاجة لزيادة فاعليته وتأثيره في تقوية الروابط الإنسانية بين المسلمين! فنتيجة ضعف التواصل الاجتماعي مع الوافدين أصبحت مشاعر كل واحد تجاه الآخر باردة وجافة لعدم فهم كل منهم الآخر. وتعاليم الدين الحنيف تحث على التواد والتراحم بين المسلمين كما في الحديث ''مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى''. ومن المؤسف أن كثيراً من الوافدين يعملون بيننا لسنوات طويلة دون مشاركتنا وجبة طعام أو دعوتهم لتناول فنجان قهوة في منازلنا. مؤسف حقاً أن يقيم الوافد مدة طويلة تصل إلى خمس أو عشر سنوات دون تواصل اجتماعي حميم أو تناول وجبة في منزل أحد المواطنين! لذلك لا أستبعد ــــ أبداً ــــ أن يشكك بعض هؤلاء الوافدين فيما سمعوا عن قيم الكرم التي اشتهر بها العرب!
من هذا المنطلق، لا ينبغي أن يقتصر إفطار صائم على تقديم وجبة طعام فقط، وإنما يجب أن يرمي لتحقيق أهداف أكثر نبلاً وأعمق أثراً، كتوطيد العلاقات وزيادة التعارف والتقارب بين المسلمين الذين جاءوا من أرجاء المعمورة، فكم سيترك في النفوس لو كان جاء تنظيم ''إفطار صائم'' الجماعي مماثلاً لـ ''غداء العيد الجماعي'' الذي يشترك فيه الجيران والأقارب والوافدون، لا ينبغي أن يقتصر مشروع ''إفطار صائم'' على إقامة الخيام بجوار المساجد دون مشاركة المسلمين جميعاً ''مواطنين ووافدين''، بل من الأفضل أن يشترك الجميع حتى يكون التفاعل ودياً والتمازح صادقاً والتعافي عميقاً، بعيداً عن أجواء العمل، فلربما تتغير الانطباعات ووجهات نظر كل طرف نحو الآخر ''مواطنين ووافدين''. لا يختلف اثنان على أن التواصل الاجتماعي المباشر والحميم يمكن أن يحقق ما لا تحققه البرامج والمشروعات الكبيرة. وهذه فرصة لا تعوض لتعميق التواصل بين المسلمين القادمين من أطراف الأرض مثل إندونيسيا أو الهند أو الفلبين أو أوغندا.
لقد عاش بعضنا في بلدان غير إسلامية لأغراض الدراسة أو العمل، وتلقينا دعوات لحضور مناسبات وطنية أو عائلية وتناول وجبات جماعية مع بعض الأسر في تلك البلدان. ونحن المسلمين أولى بتعميق علاقاتنا ببعضنا وتعزيز التكافل والمودة بيننا.
أتمنى أن يتطور مفهوم إفطار صائم ليصبح مناسبة تجمع الوافدين والمواطنين، الأغنياء والفقراء على مائدة واحدة. كما أقترح أن يشتمل برنامج ''إفطار صائم'' على التنسيق بين المواطنين والقادرين من الوافدين، لاستضافة مجموعة من الوافدين والفقراء لتناول وجبة الإفطار في منازلهم، من أجل تحقيق الأهداف النبيلة من ''إفطار صائم''!