المسؤولية الاجتماعية للجامعات (3 من 4)
بعد استعراض مفهوم المسؤولية الاجتماعية وتأصيلها ومناقشة جذور المصطلح والفكرة، يأتي المجال لنناقش ما إذا كانت المسؤولية الاجتماعية عبئا يقع على عاتق مؤسسات القطاع الخاص وحده؟ أم أنها مفهوم أوسع يجب أن يشمل في مسؤولياته كل أفراد المجتمع ومؤسساته المدنية؟
وهنا لن أناقش الدور الفردي لمكونات المجتمع في أعمال المساهمات الاجتماعية، فهذا دور يعيه ويفهمه كل مسلم، وهو دور مرتبط بالمواطنة والولاء للمجتمع الذي نعيش فيه، كما أنه ينبع من منابع الإرث الإسلامي العريق. وهنا أيضا لن أناقش دور القطاع الخاص الهادف للربح في أعمال المساهمة الاجتماعية، الذي يعد في مجتمعنا في مراحله البدائية، وننتظر من الإعلام ومؤسسات العلم والمعرفة دعمه ونشر الثقافة المجتمعية حوله، ولكن سأركز في هذه المقالة على دور مؤسسات التعليم بشكل عام وعلى الجامعات بشكل خاص، بحكم أنها منارات العلم وأنها تضطلع بدور أساس للرقي بالمجتمعات فكرياً وأخلاقياً ومعيشياً.
فمفهوم الخدمة المجتمعية مفهوم قديم في عدد كبير من جامعات العالم، وقد ارتبط فعليا بجماعات ومراكز أبحاث العصر الحديث. وتكاد لا تخلو جامعة من جامعاتنا المحلية من إدارة مستقلة تعنى بهذا الأمر وتوليه الحرص الملائم، وهو غالبا ما يقترن بالتعليم المستمر الذي يطغى على الخدمة الاجتماعية لهذه المؤسسات. لكن هذا المفهوم أيضاً يكاد لا ينجو من أخطاء التنفيذ في كثير من الأحيان ـ على الأقل من وجهة نظري ـــــ فعمادات ومراكز خدمة المجتمع في جامعاتنا أصبحت مراكز ربحية تهدف في المقام الأول لإيجاد عوائد مالية لتعاد وتُصرف على المجتمع أو على النشاطات الرئيسة في الجامعات. فالدور المقدم من قبل كثير من المراكز لا يعدو كونه شراكة مع القطاع الخاص تنتهي بتقديم شهادات قد لا يُعترف بها وظيفيا ويكتفى فيها بوجود شعار الجهة المانحة "الأهلية" والجهة المعتمدة "الحكومية" الممثلة في الجامعة. وهنا لا أرى أن المجتمع حقق عائداً فعلياً، فالمؤسسة الأهلية هي التي تحقق الربح الأكبر من خلال الاستفادة من الاعتماد الأكاديمي لبرامجها، والاستفادة من مرافق ومقدرات الجهة الحكومية أحياناً.
إذا هذا الدور الوحيد الذي تعتمده أكثر جامعاتنا المحلية على أنه من باب الخدمة والمساهمة الاجتماعية. والحقيقة أننا في حاجة إلى دور أكبر من هذه المؤسسات يتجاوز كونها حاضنات لمؤسسات القطاع الخاص التي تستفيد من الاسم المجتمعي لهذه المؤسسات في تقديم برامج تدريبية تفتقد كثيرا لأساسات الاعتماد الأكاديمي أو النفع العلمي. وفي العدد القادم سنتحدث عن الدور المأمول لمؤسسات التعليم في خدمة المجتمع.