رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الهياكل التكاملية ونجاح الاستراتيجيات

نشأ مفهوم التخطيط الاستراتيجي في أحضان الجيوش العسكرية حيث تعني ''استراتيجية'' حرفيا حسب اللغة اليونانية التي اشتقت منها ''الدهاء في المناورة العسكرية المصممة لتضليل أو خدعة أو مباغتة أو مفاجأة العدو لتحقيق الانتصار''، وبالتالي فإن أي خطة استراتيجية يغيب عن أيٍ من مراحلها التنفيذية ''الحيل الاستراتيجية'' كالتضليل أو الخدعة أو المباغتة أو المفاجأة أو التشتيت أو الإنهاك أو المراوغة أو التشكيك أو التوجيه أو الاستغلال أو غير ذلك من الحيل فإنها تعتبر خطة تقليدية وإن تم إعدادها وفق منهجية التخطيط الاستراتيجية ''رؤية، رسالة، قيم حاكمة، أهداف، برامج ومشاريع وآليات تنفيذية'' كما هو متعارف عليه.
قد يبدو للبعض أن هذه الحيل تدل على نفسٍ خبيثة غير طيبة كونها منظومة حيل غير أخلاقية، وأقول نعم في الحروب العسكرية أو الاقتصادية تستخدم جميع أنواع الحيل حتى وإن كانت غير أخلاقية فما تراه من وجهة نظرك منكراَ يراه المخطط من الطرف الآخر ذكاء وحنكة ودهاء وقدرة على تحقيق عنصر المفاجأة المحقق للفوز في المنافسة أو النصر في المعارك، وأيضاً يمكن تحويل هذه الحيل لأهداف نبيلة فالله ـــ عز وجل ـــ يقول في محكم تنزيله ''‏وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏''‏ ‏(‏سورة الأنفال‏:‏ الآية 30)، وهنا يتضح أن المكر في هذه الحالة مكر محمود لأنه يراد به الخير لا الشر، وبالتالي يمكن لمؤسسة مجتمع مدني حسب رأيي أن تستخدم حيلا استراتيجية ذكية لتحقيق أهداف محمودة باستخدام هذه الحيل في إطار الأخلاق الحميدة.
التخطيط الاستراتيجي يتطلب فهما عميقا وتحليلا استراتيجيا يفترض بالآخر الدهاء والمكر بمعنى أن التحليل لا يكون بحسن نية وبدراسة الظواهر السطحية وإلا فإنه تحليل تقليدي لا يمكن المخطط الاستراتيجي من بناء صورة دقيقة ليكن يخطط هو الآخر بدهاء وذكاء ومكر، وأعتقد أن هذا ديدن القادة العسكريين في الحروب فكل مخطط عسكري لأي معركة يفترض بالطرف الآخر الدهاء والمكر والمفاجأة والمباغتة وغير ذلك من الحيل الذكية.
ولنفترض أن حللنا وخططنا استراتيجياً وأعددنا خطة استراتيجية متكاملة الأركان من جهة الرؤية والرسالة والقيم والأهداف والمرحلية والحيل الاستراتيجية هل نكون بذلك حققنا متطلبات التخطيط الاستراتيجي؟ من خبرتي المتواضعة أعتقد أن الكثير من المنشآت تقول نعم وهذا ما رأيته وهو سبب فشل الكثير من الاستراتيجيات التي ذهبت للأدراج في نهاية المطاف رغم تكاليف إعدادها وفي أحسن الأحوال طبقت بشكل جزئي لما يمكّن المنشأة من الوصول لمرادها النهائي ذلك أن ''نعم'' في هذه الحالة تمنع البحث عن أسباب الفشل الحقيقية لتلافيها ومعالجتها.
من وجهة نظري أن الكثير مثل الكثير من الخطط الاستراتيجية والهيكلة الإدارية المنفذة لها كمثل رأس الأسد على جسد خروف الذي يفكر بالافتراس لكونه أسدا ولكن الحوافر لا المخالب لا تمكنه من ذلك، نعم حسب ما رأيت أن فشل الكثير من الاستراتيجيات يعود لهيكلة تقليدية لا تتناسب ومتطلبات تنفيذ خطة استراتيجية تتطلب هيكلة تتحمل تنفيذها وفق مرحليتها وحيلها التي تتطلب مهارات ومعارف بشرية مميزة وأنظمة تواصل وإدارة عليا فعالة وثقافة تنظيمية مناسبة.
وباختصار أعتقد أن تنفيذ الخطط الاستراتيجية بنجاح يتطلب هيكلة استراتيجية لا تقليدية وهو ما لم أره في الكثير من المنشآت التي تدعي أن لديها خطة استراتيجية وتطبقها وفق ما هو مرسوم وهي في حقيقة الأمر تطبق خطة تقليدية لا تصل بها إلى الغايات المنشودة، ومن ذلك أن إحدى المنشآت تسير كما السلحفاة في تطبيق استراتيجيتها التي أعدها لها متخصصون واشتكت من ذلك وعندما تمت مراجعتها وُجِد أن موظفيها لا يعرفون التخطيط الاستراتيجي ولا ما يتطلبه من ذكاء ومرونة وقدرة على التفكير غير المألوف وتطبيق الحيل الاستراتيجية بالتكامل مع شركاء ذوي موارد قوية مرحليا عبر بناء شراكات فاعلة تحقق مراد الأطراف الشريكة.
أيضاً البعض لا يفهم معنى الهياكل التكاملية القائمة على الشراكة بين المنشأة صاحبة الخطة الاستراتيجية والمنشآت الأخرى ذات الصلة بتحقيق أهدافها والتي تتكامل معها في تنفيذ برامجها ومشاريعها الاستراتيجية، وبالتالي فهو يعمل بشكل منفرد معتمداً على موارده الخاصة ما يضعف قدراته على الإنجاز بشكل كبير ويعيق حركته في إطار الزمن المحدد فيفشل، أما البعض الآخر فيعمد لبناء شراكات استراتيجية مع المنشآت ذات الصلة، ولكن وللأسف الشديد عند مراجعة العلاقة بينه وبين شركائه تجدها علاقة طرفي علاقة يحاول كلٌ منهما تحقيق أهدافه على حساب الطرف الآخر بعيداً عن روح الشراكة ومبادئها وقيمها ومفاهيمها السليمة التي تحقق الفاعلية المثلى من توقيع اتفاقياتها ولذلك تجد الكثير من هذه الاتفاقيات بعد زمن وجيز أصبحت حبرا على ورق دون أدنى فاعلية تذكر.
أما مسألة توافق أنظمة شؤون الموظفين الملائمة للثقافة التنظيمية المستهدفة والمتوافقة مع الخطة الاستراتيجية والفكر الذي وضعت على أساسه فلم أجد من المنشآت الوطنية من تطبقه إلا النادر وهو أمر معوق أيضاً لتحقيق النجاح في تنفيذ الخطط الاستراتيجية.
ختاماً أرجو من المنشآت الوطنية حكومية أو خاصة أو مجتمع مدني أن تتعمق في فهم متطلبات نجاح الخطط الاستراتيجية وخصوصاً من جهة بناء هياكل تكاملية مع الجهات ذات الصلة والأهداف المشتركة، حيث يجب أن تتعدى العلاقة بنود الاتفاقيات الموقعة إلى بناء ثقافة مشتركة تحرك الطرفين لتحقيق أهدافها معاً في إطار تحقيق الأهداف التنموية للوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي