تجيير وسرقة الإنجازات ثقافة المجتمعات المفلسة

منذ القدم وفي كل المجتمعات يوجد أفراد يسعون جاهدين إلى سرقة إنجازات الآخرين وادعائها لهم لتحقيق مكاسب معنوية ومادية من وراء ادعاء هذه الإنجازات. نسمع ونقرأ أخباراً عن مشروع أو بحث، أو كتاب أو إنجاز من الإنجازات التي تحققت في مجتمع أو في مجال من المجالات، وقد يحظى هذا الإنجاز أياً كان موضوعه أو حجمه بتغطية إعلامية هائلة، ويكرم صاحبه المفترض أو من يرعاه وتسبغ عليه عبارات الثناء وتدمج المقالات والخطب مدحاً وثناءً بهذا الشخص الذي ربط به هذا المشروع أو هذا الإنجاز. المجتمعات تختلف في حجم هذه الممارسة ونسبتها، إذ إن مجتمعات قد تجير كل إنجازاتها التي قام بها فرد أو مجموعة أفراد إلى شخص ليس له ناقة ولا جمل في موضوع المشروع المنجز، ولم يكن له من الجهد الإشرافي أو الإداري أو التمويلي أي دور، لكن في مجتمعات أخرى نجد الإنجاز يربط بصاحبه الحقيقي، فالمخترع أو المؤلف أو المشروع يرتبط باسم صاحبه وهو من يستفيد منه معنوياً ومادياً، ويوجد نظام يحفظ له هذه الحقوق. ترى لماذا هذا التفاوت بين المجتمعات في هذا الشأن .. هل الأنظمة والقوانين لها دور في هذا الشأن أم الثقافة العامة التي يتحرك الناس داخلها؟ لا أعتقد أنه يوجد في أي مجتمع من المجتمعات مهما كان تخلفه وبدائيته نظام أو قانون يلزم الناس بتجيير منجزاتهم لآخرين مهما كانت العلاقة بينهم، لذا فإن المتهم الرئيس في هذه الممارسات هي الثقافة التي قد تربى الناس عليها ودجنوا وبرمجت عقولهم ليفكروا بهذه الطريقة التي تجعلهم يتنازلون عن منجزاتهم لتحمل اسم شخص لم يبذل أي جهد فيه، الثقافة قد تصور لهؤلاء الأشخاص أن المنجز لاسم هذا الشخص فيه فخر ورفعة وعزة لمنتجهم، ما يعطيه انتشاراً ورواجاً واندفاعاً من الناس نحوه. الشعور بالصغار والدونية لدى البعض يجعلهم يعتقدون أن الإنجاز لا يمكنه أن يحيا من دون بيئة خاصة تتمثل في اللجوء إلى فرد يتشرف الإنجاز بحمل اسمه حتى تتحول هذه الممارسة إلى تقليد يعاب على من يخالفه أو يعترض عليه. كما أن المصلحة التي تربط بين صاحب الإنجاز الحقيقي أو الفعلي وصاحبه المفترض كالعلاقة الإدارية تجعل لهذه الممارسة فرصة للظهور والانتشار. المجتمعات المتقدمة حاربت عملية الانتحال المرتب أو الذي يأتي على شكل سرقة من خلال أنظمة تقضي بعقوبات صارمة، لذا تقل فيها مثل هذه الممارسات حفاظاً على حقوق الناس الذين يعملون بجد حتى لا تكون إنجازاتهم لقمة سائغة لأفراد ليس لديهم ما يؤهلهم لمثل هذا الإنجاز عدا هالة تاريخية مزيفة ضخمها الإعلام ورسخها في عقول الناس حتى حولها مع الزمن إلى ما يشبه الحقيقة، وهي ليست كذلك. إنجازات كثيرة ربطت في فترة من الزمن بأسماء أشخاص آخرين غير أصحابها الحقيقيين لكن مع تغير الظروف ومن خلال البحث والاستقصاء اكتشف الناس أصحابها الحقيقيين الذين جيروا إنجازاتهم إما طواعية أو جبراً. في المشاريع التنموية وفي العلم والبحث يوجد أشخاص ليس لهم هم إلا الصعود على أكتاف الآخرين وإنجازاتهم، حتى أن أفرادًا صاروا شعراء وهم ليسوا كذلك، وآخرون صاروا أصحاب نظريات ومؤلفات وهم أبعد ما يكونون عن هذا الأمر، كما يوجد من أنجزت أعمال ضخمة بأسمائهم وهم لم يقدموا أي دعم أو رأي أو دعم مالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي