رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


قبل أن تتحول مهمة مكافحة الفساد إلى مجرد جدل إعلامي

لم يمض يوم واحد على إعلان الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، الذي دعت فيه وزارة الصحة إلى معالجة المشكلات الطبية والفنية التي يعانيها مستشفى الصحة النفسية في محافظة الطائف ''شهار'' في منطقة مكة المكرمة، حتى سارعت إدارة المستشفى بالرد في الصحف رافضة بيان الهيئة ومؤكدة أن فيه مبالغات، وكأن المشكلة ليست في المستشفى بل في هيئة مكافحة الفساد نفسها. وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا السجال والجدل الإعلامي، وقد سبقه من جامعة الجوف، ومن جهات أخرى عديدة، فما إن تعلن هيئة مكافحة الفساد عن تقرير ما حتى تسارع الجهة برفضه وإعلان الرد بعكسه والتشكيك في أعمال الهيئة، وهذا يصور هيئة مكافحة الفساد كأنها محرر صحافي يبحث عن سبق غير مرخص له، وأن مجرد إعلان تكذيبي يكفي لرد التهمة وإرغام الخصم، بقي أن تطلب هذه الجهات من هيئة مكافحة الفساد أن تتحرى الصدق فيما تنشره، أو أن تقول إن آراء الهيئة غير متخصصة وبعيدة عن الواقع، وأنها تكتب تقاريرها من مكاتب مكيفة، أو أنها لم تراجع الجهة وتستأذنها قبل إصدار التقرير، كما يحدث مع الصحف، كلما تم نشر تقرير أو رأي فيه بعض النقد. الغريب والمدهش في موضوع تقرير مستشفى شهار أن وزارة الصحة ردت في اليوم الثالث بأنها ستبحث في الموضوع وستشكل لجانا من أجل معالجة أوضاع المستشفى، فمن الذي تحدث باسم وزارة الصحة أولا ومن تحدث باسمها ثانيا، وهل علمت الوزارة عن جميع هذه التصريحات؟
القضية تتعقد وتزداد غموضا، فتعرّض تقارير الهيئة لتشكيك من قبل مصادر لا تعلن عن نفسها صراحة، أو مجرد صفة ''مصدر مسؤول''، ومع طول الإجراءات التي تتخذ ضد الفاسدين، فإن أكثر ما يقلق الآن هو أن تتعرض الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى حملة شرسة تؤدي إلى فقد الثقة بأعمالها، ما يتسبب في تقليص صلاحياتها، وهذا إن حدث سيشكل صدمة كبيرة للمجتمع، لذلك يجب أن تعمل الهيئة على عدم التورط في مثل هذا السجال الإعلامي، وألا يسمح للجهات بالرد على تقارير وإعلانات ''نزاهة'' إلا من خلال قنوات رسمية ومتحدث رسمي متخصص وبعد أن يتم فحص تقرير الهيئة، وأن يتم الرد ليس بالنفي، بل بالإجراءات التي اتخذت من أجل المعالجة. ذلك أن دور الوزارات ليس التحقيق مع الهيئة وتقاريرها فهي جهة مسؤولة ومتخصصة وأيضا لديها كوادر مؤهلة للحكم على الحالات التي تكتشف، لذلك يبقى دور الوزارات والجهات الأخرى في التحقيق والبحث عن المتسبب والأسباب وفي تنفيذ إجراءات إصلاحية ورادعة، أما أن يتحول الأمر إلى إحالة تقرير الهيئة إلى البحث، نظرا لرفض التقرير من الجهة التي تعرضت لنقد الهيئة، فإن هذا حتما سيضع الهيئة في محل المحاسبة وأن أعمالها تخضع لرقابة الإدارات العليا في الجهات التي تعرضت للنقد، وهذا خلل فادح في مفهوم مكافحة الفساد.
دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد واضح جدا، ومسؤولياتها عالية، ومرجعيتها إلى الملك مباشرة، وهي تتخطى كل الإدارات والوزارات، فلا معنى إذاً أن تقوم الجهات بتكذيب تقرير الهيئة على الصحف ولو بطريقة مؤدبة، مثل عبارات أن هناك مبالغة، وعدم تأكد أو التبريرات التي تجعل الهيئة تبدو كأنها خصم بدلا من مراقب وفاحص. نعم قد تحدث خلافات في وجهات النظر، والهيئة كما عرفت عنها تناقش وتستفسر قبل أن تصدر تقريرها، ولذلك فإن الجهة محل التقرير قد أخذت فرصتها كاملة في إبداء الرأي، فلا معنى إذاً للتصريحات الصحافية وخاصة من غير المصرح لهم أو المتحدث الرسمي، ولا معنى لمثل قولهم عن لجان ستدرس تقرير الهيئة وتنظر فيه وكأنه محل بحث، بل يجب كما قلت سابقا أن نسمع عن إجراءات وإصلاحات أو على الأقل وعود بذلك.
إذاً وفي هذه المرحلة بالذات وقبل أن يستفحل هذا المرض، يجب أن يتم استئصاله جذريا، وألا يتم تداول أي تقرير عن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلا من خلال قناة رسمية ومتحدث رسمي، وأن تقوم كل الجهات بلا استثناء بتعيين متحدث رسمي كما صدرت بذلك التعليمات، وأن تكون حقوق الرد على تقارير وإعلانات هيئة مكافحة الفساد من خلال هذا المتحدث الرسمي فقط، على ألا تشمل تلك التعليقات التشكيك في أعمال الهيئة بأي شكل أو بأي صور أو لفظ، وإذا كان لدى الجهة مثل هذا الشك فعليها أن تتحقق منه بالتواصل مع هيئة مكافحة الفساد مباشرة قبل إعلانه على الجمهور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي