المبرَّات والجمعيات الخيرية .. السمعة قبل الاقتصاد
ونحن نعيش أيام شهر رمضان المبارك، حيث يقبل المسلمون على فعل الخير والعطاء والبذل بما تجود به أنفسهم من مال أو طعام أو كساء طمعاً في كسب شرف الزمان والسباق نحو التقرُّب إلى الله ـــ عزّ وجلّ ـــ. وعلى المستوى المؤسساتي تبذل الجمعيات الخيرية جهوداً أكبر خلال شهر رمضان، وذلك لاستشعار تلك المؤسسات أكثر من أولئك المحتاجين إلى الدعم المادي بأشكاله المختلفة. وعلى النسق نفسه مؤسساتياً يجمع مَن يقوم على المساجد والجوامع من أصحاب الخير الأموال قبل الشهر أو خلاله، لتهيئة موائد إفطار يومية، وكذا تفعل المبرَّات والأوقاف، وما شاكلهما في الصرف على أشكال عدة خلال شهر رمضان، يكون من أبرزها توزيع الطعام أو تأمين وجبات إفطار للصائمين في أماكن مختلفة. كل هذه الأفعال بلا شك تعد ظاهرة مضيئة في جبين نسيج المجتمع المسلم عموماً والسعودي على وجه الخصوص وبالذات في التنافس على ميادين الخير.
إلا أن ما استوقفني ويسترعي انتباهي مراراً هو ما نقرأه بين الحين والآخر عن مثل هذه المؤسسات الخيرية من أخبار عن نشاط ما، ليس لمؤدي الخبر معنى أو مضمون رسالة، بل أقرب ما يكون في جملته فقط من باب وضع اسم تلك المؤسسة الخيرية مكتوباً على السطر، حيث لا فائدة معنوية من نشر مثل هذا الخبر. فمثلاً تقرأ خبر المبرَّة الفلانية أو الوقف الفلاني يوزع ألف وجبة إفطار في الحرم! وفي تقديري أن نشر خبر كهذا هو أسلوب يسيء أكثر مما ينفع، خصوصاً إذا لم يكن القارئ للخبر لا يعرف تلك الجمعية أو إمكاناتها التي ربما تضع توقعات شخصية بأكبر مما هي عليه، وبالتالي الزهد فيما قدّمته هذه الجمعية. وبهذا ينعكس سلباً مثل نشر هذا الخبر بذاته على سمعة المبرَّة أو الوقف أو الجمعية، حيث سيفهم النشر على أنه فقط من قبيل الإعلان والبروز لا أكثر.
ولكي نحسن الظن ـــ إن شاء الله ـــ في مقاصد أهل الخير والقائمين عليه من جرّاء نشر مثل هذه الأخبار، يجدر القول إن الرسالة الدعائية أو الإعلامية يتوخى من ورائها أن تكون ذات مغزى معنوي، وإلا ستكون النتيجة عكسية، إما بسبب المفهوم الخاطئ أو فهمها بشكل غير صحيح أو لعدم وجود قيمة في الأصل لها. وفي السياق نفسه حين أقارن الجمعيات الخيرية بعمومها دون تخصيص كمثال على مؤسسات العمل الخيري التطوعي والمنظمات الإغاثية الدولية، فإنك تجد إلى حد كبير مصداقية أكثر لهذه المنظمات الدولية على الأقل في عيون المتبرعين حكومات أو مؤسسات. وساعد على بناء هذه المصداقية بشكل كبير تلك الرسالة الدعائية والإعلامية الموثوقة التي لها معنى، وليست فقط من قبيل البروز، على الرغم من كفاءة الأداء العالية لدى الجمعيات الخيرية المحلية والإقليمية مقارنة بالمنظمات الدولية، خصوصاً في تكاليف القيام بالأعمال الإغاثية أو الخيرية التي تقدر تقريبا بنسبة 60 في المائة من التبرعات كمصروفات إدارية في تلك المؤسسات الدولية.
إن الرسالة الدعائية أو الترويجية أو الإعلامية لكل مؤسسة تعمل في إطار الأعمال الخيرية هي أحوج ما تكون إلى المصداقية والموثوقية أكثر من غيرها لأسباب عدة، من أهمها مصادر تمويل تلك المؤسسات التي لا تأتي إلا من تطوع وليس فرضاً. ولذا يجب أن يعتني بكل خبر أو دعاية أو جهد ترويجي للمهام التي يضطلع بها هذا النوع من المؤسسات. وفق الله أهل الخير إليه.