رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مجتمعات الاسترخاء ومجتمعات الجد

هل توجد مجتمعات استرخاء وأخرى مجتمعات جد وعمل ونشاط وحيوية؟ سألت نفسي هذا السؤال، لا لشيء سوى معرفة الفروق بين المجتمعات والأسباب والظروف الكامنة وراء هذه الفروق، ذلك أن ما نجده من فروق يظهر في عطاء وإنتاج المجتمع بشكل عام ودرجة إسهامه في إحداث التغيير ليس على الصعيد المحلي فقط، بل على المستويين الإقليمي والدولي. مجتمعات متقدمة ومنتجة، تقابلها مجتمعات خاملة تعاني الفقر والمرض والجهل، وكل ضروب التخلف، مع أن مقومات الحياة الفاعلة متوافرة لكن لم يتم استغلالها في مجتمع بينما تم استثمارها في المجتمع الآخر.
أهم سبب في نظري وراء الاختلاف بين المجتمعات يكمن في بنية العقل التي اكتسبها الناس من مؤسساتهم التربوية، ومن سياق الثقافة الاجتماعية والإدارية التي تحيط بهم ويعيشونها، فالفرد في مجتمع من المجتمعات يتشكل عقله على حسب العمل والإنجاز، ويجد في السياق المحيط به ما يفرض عليه التحدي والعمل الجاد كي يثبت نفسه، ويجد له مكاناً مناسباً في المجتمع يؤهله للعيش عيشه كريمة، في حين أن فرداً آخر في مجتمع آخر يتشكل ذهنه وفق سياق ثقافي آخر يجد فيه الفرد الكسل والدعة والميل لأهون الأمور وأيسرها وتجنب العمل الجاد. السياق الثقافي أياً كان نمطه يجده الفرد في السلوك اليومي للمحيطين به من أهل وأصدقاء وأقارب، كما يتمثل في الأمثال الشعبية والقصص والأساطير التي يسمعها ويقرأها، ويكثر الحديث بشأنها، ومن خلال هذا السياق يتولد الطموح وينمو ويكبر مع الوقت، أو يكون محدوداً من البداية، ويذبل كلما تقدم العمر بالفرد.
مجتمعات الاسترخاء والدعة يميل أفرادها إلى الأنشطة البسيطة التي لا تحتاج إلى جهد ولا وقت، وذلك لافتقاد خاصية الصبر والمثابرة، في حين أن المجتمعات الأخرى يعمل أبناؤها في جميع الأعمال والأنشطة صغرت أم كبرت، سواء كانت شاقة، أو ميسرة، وتحتاج إلى وقت طويل أو قصير.
مجتمعات الاسترخاء يميل أبناؤها إلى إضاعة الوقت في أنشطة ليست ذات قيمة في بناء الفرد عقلياً وجسدياً وانفعالياً، وفي المقابل مجتمعات الجد يميل أبناؤها إلى أنشطة نافعة تسهم في بناء العقول، حتى الرياضات الممارسة تكون من النوع المنشط للذهن الباني للأجسام، ويكون مخططاً لها، ولا تأتي عفوية، ووليدة المصادفة. مجتمعات الاسترخاء تهمل الأعمال، ويقل الالتزام ويكثر الغياب عن العمل دون محاسبة، في حين أن المجتمعات الأخرى يكون النظام سائداً والمحاسبة حاضرة لكل من يهمل، أو يتأخر في إنجاز أعماله.
الاهتمامات في مجتمعات الاسترخاء تكون هامشية وبسيطة أو ساذجة في حين الاهتمامات تكون ذات قيمة ومعنى في المجتمعات الأخرى.
تختلق أبسط الأعذار للتخلص من أي التزام في مجتمعات الاسترخاء، ويدفع الناس في هذا الاتجاه، ويلحون عليه رغم أن الأسباب قد لا تكون قوية، وهذا ما نجده في مجتمعنا، حيث الاقتناع بأبسط عمل حتى إن كان دخله محدوداً طالماً أن الجهد المترتب عليه بسيط وغير مكلف، ومن الأمثلة كذلك الميل والدفع بمزيد من الإجازات لأي سبب، كالرياح أو الأمطار، أو مناسبات الأعياد التي لا يكتفى فيها بالإجازات المعتادة، بل مزيد عليها، وما الشائعات التي تنتشر في المواسم والأعياد إلا مثال صارخ على ميل مجتمعنا إلى كفة مجتمعات الاسترخاء إن لم يكن أكثر من ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي