ما لكُمْشِ بالطيّب نصيب
أرجو أن تسمحوا لي باستدعاء ثلاثة أشياء: الأول مرض الزهايمر، والثاني كتاب برنارد لويس: "ما الخطأ الذي حدث؟ ?What went wrong"، وهذا الكتاب بالذات كان الأكثر مبيعاً في كل العالم.. الغربي. وثالثا العالم الفيزيائي العبقري البريطاني "ستيفن هاوكنج".
1- مرض الزهايمر والحالة السياسية في العالم العربي:
أسمّي هذا المرض "الوحدة المُطلقة". مرضٌ يغلق العقلَ تماماً عن الخارج ويغوص في الذات الداخلية للمصاب، ماسحاً كل علاقاته الواعية مع الخارج، وقاطعاً قطيعة نهائية مع كل ذكريات نفسه الواعية والخارجية مع العالم. إنه مرضٌ يضيع الإنسان فيه بداخله تماماً. ولأنه ممسوح الذاكرة فلا يمكن التنبؤ لا بأفعال المريض ولا تصرفاته. إحدى المصابات بالزهايمر تقتل نفسها من تتابع الأكل، فهي حريصة على الوجبات، فربما حفظ عقلها من شعاعٍ باهت قديم أن الطعامَ مهم حيوي لها، فكانت لا تقف عن البحث عن الأكل، ووُجدت مرة مغشيا عليها وباب الثلاجة مفتوح وفمها محشور بالطعام. لأنها تنسى أنها لتوها أكلت!
ومن أعجب ما رأيناه من توالى تطابق الصورة من الأحداث وبالفرجار والمسطرة، توالي سقوط الزعماء العرب بالصورة الكربونية نفسها، مخرج حلقات تساقط الزعماء ومنتجها رديئان جداً، فهما فقط يعيدان السيناريو ذاته برتابة. لكن يا ليت كان هناك مخرج أو كاتب سيناريو.. إنها قرارات فردية متتابعة مختومة طبق الأصل لكل من سقط من الزعماء العرب.. إلى الدكتور محمد مرسي. إنهم يرون النارَ تأكل مناطقهم كاملة وتلتقط حواشيهم، ويعتقدون أن خطاباً سيغيّر أدمغة الملايين. وفي النهاية الصورة نفسها، النهاية نفسها، وإن اختلفت مشاهد السقوط. وهنا يحق لي التساؤل كيف كنا نقول يجب أن نتعلم من دروس التاريخ، ثم نرى الدروس في اللحظة متكررةً، ولا يُعتَبَر بها. لقد كلف هؤلاء الزعماءُ بعنادهم وتصلب رؤوسهم وتحول ذاكرتهم الواعية إلى ذاكرة هلامية زهايمرية ضرائب كبرى على الأداء الحيوي الكامل في أُمَمِهِم من الاقتصاد حتى تعامل الفرد مع الفرد.. وخلقوا ثقافة، وأرجو أن أكون مخطئاً، إدمان الناس على المظاهرات والمطالبات بسقوط أي نظام. لا شك أن وضع الدكتور محمد مرسي مختلف، فهو أول رئيس منتخب ديمقراطي لمصر من أيام "أمنحوتب" الفرعون المصري إلى يومنا. وهو مع الأسف أيضاً أول رئيس ديموقراطي ينتفض عليه شعبه وعسكره ويُسقطه في عام واحد في تاريخ مصر.. وكأن مصر كسبت أمراً عظيماً، ثم خسرت أمراً عظيماً. وقد يأتي مَن يقول إن "محمد مرسي" كان صالحاً غير فاسد، وإنه لم يُعطَ وقته للإصلاح، وإنه كان بإمكانه ذلك لو تُرك يُكمل مدته بلا مقاطعات قهرية شعبية.. وليكن! ولكن وفي رأيي، كان على الرئيس "مُرسي" أن يتنحى عن السلطة حتى لو كان في قرارة نفسه يؤمن أنه على حق ومعه الحق وجاء بطريق الحق، لماذا؟ لأن خروج ملايين مصمّمة أن تعيش في الشوارع والميادين إن لم تُلبَّ طلباتها فستزيد عناداً ومطالبة، ويتعطل قلب الأمة، فيكون الفقرُ والنكوص، ومع الوقت قد تنشب معارك تسيل بها الدماء.. كان التصرف الحكيم أن يقف د. مرسي، ويقول لشعب مصر: "أنا رئيسٌ صالح وعندي خططٌ ناجعة لتنمية مصر، ولم أنقلب أو أغتصب سلطة، أنتم أحضرتموني بالصناديق، لكن ما لكمش بالطيب نصيب، وسأتنحى من أجل ألا تتصاعد فتنة، لا لخطأٍ فيّ، ولكن كي أُغْنِي أمتي التي أحبها عن عواقب لا أريد تحمُّل نتائجها.." وكده خلصنا! لكنه الزهايمر وقاكم الله يصيب الفاسدين والصالحين معاً.
2- ما الذي حدث للإسلام والمسلمين:
يقول "برتراند لويس" المرجع الأول في الإسلاميات، كما يسمّى في الأكاديميا الغربية، وهو يهودي مات أخيراً بعد عمرٍ ناهز القرن، واعتبره بعضنا عدواً صريحاً للإسلام والعرب، مع أن التصنيف الحدي - في رأيي - غير دقيق علمياً على الأقل فقد عرفت منه كثيراً من قوة الإسلام وندرة عنصره بين كل الأديان. يقول: "سبب انتشار الإسلام وقوته، وسرعة انتشاره التلقائي، أنه دين مفهوم ومقبول عقلياً ووجدانياً بتناغم نادر، كما كانت للمسلمين أقوى الاقتصاديات وأقوى الجيوش على الأرض، ولم يروَ عنهم وحشية، كما صار من المغول والصليبيين. ثم إنهم لا يسعون إلى سلطة ولا إلى برامج خاصّة ولا "أحزاب"، ومن هنا سرّ قوتهم الكبرى.. وتداعت هذه القوة بفعل تداعي تلك العناصر. عناصر القوة!".
3- ما الذي لا يفهمه أكبر دماغ حي في علم الفيزياء:
كان "ستيقن هاوكنج" في لقاء، وسُئل أسئلة كونية وفيزيائية ومستقبلية ومناظراتية مع نسبية أينشتاين واختلافه معه.. ذُهِل أحد المجتمعين، وقال له: "إنك تفهم كل شيء في الكون".. فرد هاوكنج: "لا أعرف كل شيء.. فأنا مثلاً لا أفهم المرأة!"
ونحن لا نفهم الزعماء العرب!