رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل بدأت رحلة النهاية لسياسات التيسير الكمي؟

التيسير الكمي هو إحدى أدوات السياسة النقدية غير التقليدية، التي لا تهدف إلى الخفض المباشر لمعدل الفائدة، مثلما هو الحال في أدوات السياسة النقدية التقليدية، التي تتم من خلال زيادة عرض النقود، مثل عمليات السوق المفتوح، لأنه غالبا ما لا يتم اللجوء إليها إلا عندما تصل معدلات الفائدة إلى حدودها الدنيا، وإنما هي أدوات تهدف إلى تعديل هيكل معدلات الفائدة أو هيكل معدلات العائد على السندات، وفقا لتواريخ استحقاقها، بهدف زيادة معدلات العائد على استحقاقات محددة وخفضها على استحقاقات أخرى، وذلك من خلال تكثيف عمليات شراء سندات باستحقاقات محددة لتوجيه الائتمان في الاقتصاد نحو وجهة معينة يرى البنك المركزي أنها تؤدي إلى رفع معدلات الاستثمار والنمو والتوظف.
بمقتضى خطة التيسير الكمي1 قام الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة بضخ 1.55 تريليون دولار، وبمقتضى التيسير الكمي2 تم ضخ 600 مليار دولار، أما التيسير الكمي3، الذي يتم حاليا بمعدل 85 مليار دولار شهريا، منها نحو 40 مليارا مشتريات جديدة للسندات، فيتوقع أن يكون قد ضخ 700 مليار دولار حتى الآن، أي أنه بمقتضى برامج التيسير الكمي الثلاثة يكون الاحتياطي الفيدرالي قد ضخ 2.85 تريليون دولار في صورة توسع نقدي، وهو قدر هائل جعل من الاحتياطي الفيدرالي أحد المالكين الرئيسيين لأدوات الدين العام الأمريكي والسندات الأمريكية بشكل عام.
الدراسات التي تمت على التيسير الكمي حتى الآن أثبتت أنه ساعد على رفع معدلات النمو وزيادة أسعار الأصول بصفة خاصة أسعار الأسهم، وساهم في زيادة أسعار المساكن، وبالطبع تغذية الطلب على الذهب، ولكن العالم كان دائما ما يتساءل: متى توقف الولايات المتحدة سياسات التيسير الكمي وتضع حدا لسياسات النقود السهلة، التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي حاليا؟
في اجتماع مناقشة السياسة النقدية بالاحتياطي الفيدرالي في آذار (مارس) الماضي أشار بن برنانكي إلى أن أقرب الاحتمالات في المستقبل هي أن الاحتياطي الفيدرالي سيخفض من مشترياته من السندات، وفي اجتماعها هذا الشهر قدمت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح توقعاتها حول مستقبل الاقتصاد الأمريكي في الفترة القادمة، حيث ترى اللجنة أن المخاطر المحيطة بالاقتصاد الأمريكي تتراجع، وأن الاقتصاد الأمريكي بدأ يقف على قدميه الآن، حيث تتوقع اللجنة أن يحقق نموا بمعدل 2.5 في المائة هذا العام، وأن يرتفع معدل النمو في 2014 إلى 3.25 في المائة، وعندما يحدث ذلك يتوقع أن ينخفض معدل البطالة في سوق العمل الأمريكي إلى أقل من 7 في المائة بنهاية 2014، وهو شرط التحسن المعلن في برنامج التيسير الكمي للاحتياطي الفيدرالي، الذي عنده ستبدأ عمليات تخفيض مشتريات السندات.
على الرغم من أن خطاب برنانكي لم يشر إلى تفاصيل محددة حول عمليات التخفيض ومداها، إلا أن برنانكي أعلن بصراحة أن عملية التخفيض ربما تبدأ في نهاية هذا العام، بافتراض أن الاقتصاد يتحسن على النحو المفترض، خصوصا في سوق العمل الأمريكي، وبما أن بعض المسؤولين في الاحتياطي يتوقعون أن يتحسن سوق العمل الأمريكي في صيف هذا العام، فإن الفرصة تكون قد حانت بالفعل لإيقاف هذه السياسة بصورة تدريجية.
غير أن الصورة، التي رسمتها تقديرات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح عن الاقتصاد الأمريكي بصفة خاصة بالنسبة لمستويات البطالة المتوقعة ربما تبدو وردية أكثر من اللازم، على سبيل المثال تتوقع اللجنة أن تنخفض معدلات البطالة في نهاية 2014 ما بين 6.5 و 6.8 في المائة، وهذا ما يعني أن المجال أصبح مفتوحا لرفع معدلات الفائدة الصفرية التي عمل عليها الاحتياطي الفيدرالي منذ بداية الأزمة. غير أن أوضاع سوق العمل الأمريكي لا تسير على هذا النحو، الذي تشير إليه التقديرات الأخيرة للجنة. من ناحية أخرى لا أعتقد أنه في الاجتماعات القريبة للجنة ستشهد تحسنا ملموسا في أوضاع الاقتصاد الأمريكي على النحو الذي تتوقعه اللجنة، على سبيل المثال لقد جاءت المراجعة الثانية لبيانات النمو في الربع الأول من هذا العام مخيبة للآمال، حيث انخفض معدل النمو من 2.4 إلى 1.8 في المائة فقط، من ناحية أخرى، فإن معدلات البطالة ما زالت مرتفعة للغاية والتحسن فيها يسير على نحو بطيء جدا أيضا، بينما معدلات التضخم المعلنة منخفضة للغاية.
ولكن هل يعني هذا الإعلان أن سياسات التسهيل النقدي انتهت؟ الإجابة هي لا، لأن التوقف عن شراء السندات لن يعني سحب الكميات، التي تم إصدارها في إطار خطط التيسير الكمي الثلاث، ذلك أن الاحتياطي الفيدرالي ماض في سياسة شراء السندات، وستستمر عملية التخفيض بشكل مستمر حتى تتوقف تماما عمليات الشراء في نهاية 2014، وستظل هذه السيولة عنصر الضغط الأساسي على معدلات الفائدة نحو البقاء عند مستويات منخفضة.
بصفة خاصة أعلن برنانكي أن اللجنة لن تبيع السندات المغطاة بالرهون العقارية في أثناء عمليات إعادة السياسة النقدية إلى مسارها الطبيعي، وإنما ستترك تلك السندات حتى تاريخ استحقاقها، ما يعني استمرار المساندة لقطاع المساكن، أي عندما ينتهي المقترضون لشراء المساكن من استكمال سداد ديونهم، طبعا الهدف هو استمرار الضغط على معدلات العائد على هذه السندات بالانخفاض وتمكين الأسر من الاستفادة من انخفاض تكلفة الرهن العقاري من جهة ومن ارتفاعات أسعار المساكن، التي يمكن أن تحدث في ظل هذه السياسات جهة أخرى، وقد جاء تقرير Case_shiller 20 الأخير عن أسعار المساكن في الولايات المتحدة ليؤكد أن أسعار المساكن ترتفع بصورة واضحة بلغت أخيرا رقمين لأول مرة منذ أزمة سوق المساكن في 2006، واستمرار احتفاظ الاحتياطي الفيدرالي بهذه السندات يعني أننا ربما نواجه حجما مرتفعا لميزانية الاحتياطي الفيدرالي لفترة زمنية طويلة قادمة.
أكثر من ذلك فمع إعلان بن برنانكي أخذت أسعار الأصول في التراجع، حيث انخفضت مؤشرات الأسهم، وارتفعت معدلات العائد على السندات، حيث ينظر إلى الإعلان على أنه إشارة إلى أن الاحتياطي الفيدرالي بدأ يقلل من دعمه للاقتصاد الأمريكي، وأن التضخم لن يتراجع مرة أخرى، وأن الانخفاض الحالي في معدل التضخم هو انخفاض مؤقت، ما يعني أن هذه الاستجابة للأسواق هي مزيج من عدم التأكد والتشاؤم.
والآن أعود لسؤالي الرئيس، هل بالفعل بدأت رحلة النهاية لسياسات التيسير الكمي التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي منذ 2009 حتى اليوم، الإجابة هي بالتأكيد نعم، فهذه السياسات لا يمكن الاستمرار فيها على المدى الطويل لمخاطرها الكامنة، خصوصا عندما تميل معدلات النمو إلى التحسين، وإن كنت لا أعتقد أن بداية رحلة النهاية ستكون بهذا الشكل السريع الذي تتوقعه اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي