مرة أخرى الدعوة لتأسيس جمعية للمبتعثين
تلقيت بعض الرسائل التفاعلية مع فكرة إنشاء جمعية متخصصة لمبتعثي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي. فالبعض ذكر أنه من غير المنطقي أن يتجاوز ما صرف على برامج الابتعاث مليارات الريالات ثم نطلب من شبابنا أن يقبلوا العمل في وظائف عمالية، خصوصا أننا نعلم أن القطاعين العام والخاص لا يزالان في حاجه إلى مثل كفاءاتهم. البعض من القراء أيضا طالب بزيادة أهداف الجمعية بحيث تكون الجمعية حلقة وصل بين وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة الرقابية والمؤسسات الحكومية الأخرى من خلال ما يلي:
أولا: وضع التنظيمات التي تلزم جميع موظفي الوزارات والمؤسسات الحكومية باعتماد الشهادات من قبل وزارة التعليم العالي كشرط رئيس للتعيين أو الترقية، فالشؤون الإدارية لكل مؤسسات الدولة مطالبة بإلزام جميع الموظفين، خصوصا كبار المديرين التنفيذيين فيها، بتصديق شهاداتهم قبل اعتمادها، وعدم السماح لهم باستخدامها في المراسلات الداخلية أو الخارجية إلا بعد اعتمادها. فدوائرنا الحكومية تعج بالكثير من المديرين غير المؤهلين الذين يتمتعون بذكاء إداري - خبث إداري بعبارة أدق، يتم توظيفه في محاربة شبابنا المبتعث المؤهل. وأحسنت وزارة التربية والتعليم بإلزامها جميع العاملين لديها بتسجيل فقط الشهادات المعترفة نظاميا، ومنعت استخدام كل الألقاب العلمية دون أن يكون لها إقرار رسمي.
ثانيا: التأكد من تطبيق النظام الصادر من مجلس الوزراء على اعتبار كل وظيفة ليس عليها سعودي شاغرة في النظام عمليا. فواقع كثير من مؤسسات الدولة أنها لا تعلن عمليا وظائفها المشغولة بغير السعوديين. فبعض المديرين التنفيذيين لا يستغنون عن الموظفين غير السعوديين ليس بسبب كفاءتهم، بل لمعرفتهم سلفا أن الموظف السعودي قد يرفض مزاولة المهام غير القانونية أو الأعمال التي تصنف بأنها مهام خارج إطار عمل الوظيفة الرسمي. فالموظف غير السعودي قد يدفعه الخوف من الترحيل أو إنهاء الخدمات على تقبل بعض الإجراءات غير القانونية بعكس الموظف السعودي الذي لديه العديد من الدوافع لرفض السكوت، فضلا عن المشاركة في قضايا الفساد. من هنا يبرز أهمية توظيف الشباب السعودي ليس فقط لكونه مطلبا وطنيا، بل لأن توظيفهم يسهم في مكافحة الفساد بصورة غير مباشرة.
ثالثا: دعم سعودة القطاع الخاص، خصوصا في الوظائف التي تتطلب مؤهلات علمية عالية. ففي السابق كانت الدعوى من عدم توظيف الشباب السعودي أن مخرجات التعليم لدينا ضعيفة، وأن شبابنا لا يجيدون التحدث باللغة الإنجليزية، أما في ظل وجود عدد كبير من خريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، فلا أعتقد أن المشكلة تأهيلية، فشبابنا خريجو مؤسسات تعليمية مرموقة، بينما الكثير من العاملين غير السعوديين من خريجي جامعات ضعيفة. لذا فإن الجمعية يمكنها أن تسهم في أن تكون صوتا آخر للشباب السعودي العامل في القطاع الخاص. كما يمكن للجمعية المشاركة في وضع البرامج التي تسهم في الاستفادة من الكفاءات السعودية عبر تأسيس شراكة حقيقية في تحمل تكلفة التدريب أثناء مزاولة العمل ولفترات محددة بالتعاون، وذلك بالتنسيق مع صندوق تنمية الموارد البشرية.
ختاما؛ كما هو معلوم أن الأقليات في العديد من الدول الأوروبية تتعرض لاضطهادات بدعوى أنهم يسرقون وظائف مواطني تلك الدول. ولعل ما حدث أخيرا للمواطن والمبتعث السعودي خالد المالكي من ضرب واعتداء جسدي من قبل بريطاني جنوبي العاصمة لندن خير دليل على ما تتعرض له الأقليات في أوروبا. فقد ذكر الأخ خالد أن الإنجليزي الأبيض قال له "أنت عربي قادم للبحث عن المال فارجع إلى بلدك". فأغلبية المهاجرين يرضون بالعمل لساعات طويلة وبأجور متدنية في ظل أزمة مالية خانقة، وهو ما يثير حفيظة سكان البلد الأصليين ضد الأقليات فيها.
الجميل أن شبابنا السعودي واع وراشد، فعلى الرغم من أن العاملين غير السعوديين يسرقون وظائف شبابنا عمليا، لكنهم لم يتعرضوا لمثل هذا النوع من الاضطهاد من قبل شبابنا العاطل، لذا فإن وجود جمعية تسهم في تصحيح أوضاع هؤلاء الشباب المؤهل مطلب وطني وضرورة ملحة يمليها الواقع. فوجود جمعية يعتبر الخيار الأفضل والغطاء القانوني والمنافح الحقيقي لحقوق شبابنا المؤهل.
هذه بعض اقتراحات شبابنا المبتعث أرفعها لمعالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري لعلها تجد صداها من قبل معاليه.