تقدير الشركة بحساب القيمة الحاضرة للأرباح
إن من أهم العمليات التي يقوم بها المحللون الماليون وأصعبها هي عملية تثمين أسهم الشركات، كون هناك طرق عديدة للقيام بذلك، تختلف في منهجيتها وفلسفتها، إلا أنها تسعى في نهاية المطاف لوضع سعر مقبول أو عادل لسعر السهم. إحدى هذه الطرق وأشهرها طريقة حساب القيمة الحاضرة لمجمل أرباح الشركة المستقبلية، على مدى عشرات السنين، ومن ثم إضافة السعر النهائي المفترض للشركة ككل في نهاية هذه الفترة الزمنية، وأخيرا قسمة ذلك على عدد أسهم الشركة للوصول إلى السعر العادل للسهم. الهدف من هذه المقالة التثقيفية استعراض طريقة تقدير سعر السهم ومناقشة العناصر المكونة لهذه الطريقة وكيفية حسابها.
أولاً- أشير إلى أن قيمة الشيء، أيا كان هذا الشيء، من الأمور الصعبة التي لا يمكن تحديدها بشكل دقيق وقاطع، كون قيمة الشيء مسألة نسبية تعتمد على نظرة الشخص لهذا الشيء وما يمكن أن يقدمه من فوائد وما له من خصائص. وعندما نعرف قيمة الشيء نستطيع أن نضع له سعرا يعكس تلك القيمة. على سبيل المثال، عندما يدفع شخص مبلغ 100 ألف ريال كسعر لسيارة ما فهو بعمله هذا يرى أن هذا المبلغ من المال سعر عادل ومقبول مقابل الحصول على الفوائد المرجوة من السيارة، كالراحة والسرعة المناسبة واللون والمتانة والأمان والشكل وغيرها. وعلى فرض وجود سوق حرة خالية من الاحتكار، يتصرف فيها كل شخص بحرية وعقلانية، فإن سعر السيارة السوقي العادل هو مبلغ 100 ألف ريال. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف تم تحديد مبلغ 100 ألف ريال كسعر عادل لهذه السيارة؟ هذا ما يحاول المحلل المالي الوصول إليه عندما يقوم بتحليل شركة ما لمعرفة السعر العادل لها، فهو يدرس العناصر المكونة لقيمة الشركة وما تدره من أرباح أو تدفقات نقدية على مدى السنين القادمة، ليخرج بالسعر العادل للشركة ككل. بعد ذلك يقارن السعر العادل بالسعر السوقي الحالي فيكتشف مباشرة ما إذا كانت الشركة مسعرة بأقل من القيمة المستحقة، ويقرر شراءها، أو أنها مسعرة بأعلى من قيمتها المستحقة، ويقرر بيعها، أو أن سعرها السوقي الحالي عادل فيقرر شراءها إن لم يجد فرصة أفضل منها.
هناك ثلاث خطوات رئيسة لحساب القيمة الحاضرة لأرباح الشركة، أولها اختيار نوعية الأرباح التي سيتم تقديرها، حيث من الممكن للمحلل اختيار الأرباح الموزعة أو صافي الدخل أو التدفقات النقدية، وجميع هذه الأنواع تؤدي إلى النتيجة نفسها متى تم تقدير الأرباح على مدى سنوات طويلة، تصل إلى 100 عام أو أكثر، أو بقدر العمر المتوقع للشركة. الخطوة الثانية تحديد العائد الذي سيستخدم في إيجاد القيمة الحالية لتلك الأرباح المستقبلية، لأن 100 مليون ريال بعد عام أقل من 100 مليون ريال اليوم، فيكون من الضروري بعد تقدير الأرباح المستقبلية حساب ثمنها بأسعار اليوم. وهنا ينشأ سؤال في غاية الأهمية عند حساب القيمة الحاضرة للأرباح المستقبلية: ما القيمة الحاضرة لأرباح بمقدار 100 مليون ريال ستأتي بعد عام؟ ماذا لو أن هناك وسيلة مالية مضمونة ستدر 100 مليون ريال بعد عام، فكم سيدفع اليوم شخص للحصول عليها؟ من الطبيعي أن الشخص سيدفع أقل من 100 مليون ريال مقابل الحصول على هذه الوسيلة، لكن هل سيقبل بدفع 99 مليون ريال أم 98 مليون ريال أو 95 مليون ريال أو غير ذلك؟ ما الذي سيحدد المبلغ المقبول لهذا الشخص؟ هنا يأتي دور العائد المطلوب، وتحدده عوامل عدة منها نسبة التضخم ومدى ضمان الحصول على 100 مليون ريال بعد عام - أي قياس درجة المخاطرة. فإن كان هذا المبلغ مضموناً، فإن الشخص سيقبل عائدا لا يتجاوز العائد على الودائع المضمونة، الذي يقف حالياً في الاقتصاد السعودي عند نحو ثلاثة أرباع نقطة مئوية، فيرضى هنا الشخص بدفع مبلغ 99.25 مليون ريال اليوم ليستعيد 100 مليون ريال بعد عام.
في حالة حساب القيمة الحاضرة لأرباح الشركات، يقوم المحلل بأخذ عدد من المتغيرات في الاعتبار عند تحديد مقدار العائد المناسب، منها أن الأرباح المستقبلية للشركة ليست مضمونة، فقد تكون أعلى أو أقل مما هو متوقع، ونسبة التضخم المتوقعة للسنوات القادمة متغيرة، كذلك العائد على الودائع الآمنة متغير، مثله كذلك العائد على الاستثمار في الأسهم، وغيرها من المتغيرات. لذا نجد أن هناك طرقا عديدة للقيام بتحديد العائد المطلوب، إحدى هذه الطرق استخدام نموذج رياضي يضيف أولاً مقدار العائد المضمون على الودائع، والسبب أن هذا العائد متاح وخال من المخاطر، فيكون من الضروري أن تحقق الأرباح المستقبلية على الأقل هذا القدر من العائد. ثم يضيف المحلل إلى ذلك مقدار العائد المتوقع للاستثمار في الأسهم بشكل عام بعد تعديله ليتناسب مع حركة سهم الشركة، مقارنة بحركة السوق ككل. على سبيل المثال، لو كان العائد المضمون يساوي 1 في المائة والعائد على الاستثمار في الأسهم يساوي 9 في المائة، وكانت حركة السهم ضعف حركة المؤشر العام للسوق ''أي أن معامل بيتا يساوي 2''، هنا يكون العائد المطلوب لهذه الشركة يساوي 17 في المائة.
عند الانتهاء من تقدير الأرباح المستقبلية والعائد المناسب، تأتي الخطوة الثالثة التي من خلالها يقوم المحلل بحساب صافي القيمة الحاضرة لهذه الأرباح، ويضيف إليها السعر النهائي للشركة في نهاية المدة. على سبيل المثال، قد يقدر المحلل أن قيمة الشركة بعد 100 عام ثلاثة مليارات ريال، فيقوم بحساب هذه القيمة بسعر اليوم ويضيف ذلك إلى مجموع الأرباح على مدى 100 عام. لاحظ أن ثلاثة مليارات ريال بعد 100 عام، وبافتراض عائد مطلوب بمقدار 17 في المائة تساوي اليوم نحو 450 ريالا فقط - نعم إن ثلاثة مليارات ريال بعد مائة عام لهذه الشركة ستحسب من قبل المحلل على أنها فقط 450 ريالا اليوم! لذا ليس من المستغرب في هذه الطريقة أن يفترض بقاء الشركة مدى الحياة، لأن قيمة التدفقات النقدية المستحقة بعد عشرات السنين تتضاءل بسرعة.
أخيراً من غير المتوقع أن يقوم المستثمرون الأفراد بإجراء مثل هذه الحسابات، لكن الهدف من معرفة هذه الطريقة هو أولاً- إعطاء المستثمر تصورا عاما عن كيفية تثمين الشركات وفهم الخطوط العريضة لذلك، وثانياً- لأن هذه الطريقة عامة وممكن استخدامها لتقدير قيمة أي أصل من الأصول، على سبيل المثال لتقدير قيمة عمارة سكنية من خلال تقدير التدفقات النقدية السنوية على مدى عمر المبنى، وإضافة السعر النهائي للمبنى في نهاية عمره، ومن ثم استخدام عائد مناسب لحساب السعر العادل لهذا المبنى.