رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تلاقينا الفتنة أو نسعى إليها

في وطننا العربي الكبير تلاقينا الفتنة أو نسعى إليها، يقتل بعضنا بعضا، كما تفعل النار بذاتها، حتى تموت عن بقية من رماد تذروه الرياح بما لا يمكن جمعه، تبصروا أو أبصروا بالقدر الذي تحتمله قلوبكم ـــ ليبيا ـــ بات كل قلب محزونا بما فيه، وبات كل عقل سجينا بما يظنه صوابا، وبات كل متر من أرضها سببا مستساغا لدفن كل المتقاتلين عليه. وكل قبيلة قد استجلبت من الفقراء حولها من تستعملهم في قتل خصومها، وحفر قبور أبنائها! كل ذلك في سبيل بئر ـــ نفط ـــ تقايض بها السلاح، ليقتل الليبي به نفسه.
تلاقينا الفتنة أو نسعى إليها، كأنها شيطان يتربص بنا حسن الخواتيم يرديها، وسلامة القلوب يفسدها، حين يتحول ـــ قتل النفس التي حرم الله ـــ إلى فقه يبرره ويجيزه ويحلله، ويتعالى مع انبعاج الدم ـــ تكبير الله ـــ!
قربان من قرابين هذا العمى الضارب في أوطاننا العربية، السودان العظيم تشظى بدم لم يجف حتى رسم حدودا جديدة وعلما ودولة، ستكتب مقادير أجيال كثيرة تتوارى الآن في رحم المستقبل. يتربص بها الجوع، والخوف، وانعدام الثقة، والحقد المتوارث، الذي يستثير ويجعل من القتل شهوة مستبدة، لا تسكن إلا بنيلها.
وعليه الحروب ستكون متعاقبة متوالية يطويها العجز، وينشرها أول مظهر للقوة والقدرة. وهذا قدر كتب على السودان العظيم وهو ماشيه بكل الضحايا المتساقطين على جوانبه.
تُلاقينا الفتنة أو نسعى إليها، والعراق لم يعد قادرا على أن يغلق ولو ليوم واحد أفواه قبور ضحاياه، لم تعد القبور تتباعد، ولم يعد أحد من أهله يمتلك اليقين أنه سيعود إلى بيته عند غروب الشمس. كل عودة هي ميلاد، وحين لا يسمع الجيران صرخة أم في سكون الليل، يعلمون أن الجميع قد عادوا بالخطأ هذه المرة كاملين دون نقص. فكل مواطن هناك يترقب الموت بيقين جازم. إلا أنه في شك بسبله التي بها سوف يأتيه! والبلد الخصيب جاع أهله، وعجنهم الفقر.
تُلاقينا الفتنة أو نسعى إليها، حين تحولت سورية، رقة المدائن، وجمال العرب الخالد، إلى عصف مأكول، سكون فتنتها الخالدة، استحالت بقية من حجر مبعثر، كأصابع الزلزلة الغاضبة التي لا تبقي حجرا على حجر، وتُصير كل بناء إلى تراب وطين. لم يعد في سورية ما يصلح نصرا إلى أحد، فقد تدمر فيها كل شيء، ليس آخرها إنسانها العظيم الشريف الذي يعيد كتابة قصة شعوب الشتات، وأطفال المخيمات، وتكرار قصص ـــ نخوة ـــ نكاح السترة، من جيرانه!
تلاقينا الفتنة أو نسعى إليها، حين سقط منا كل شيء، ولا يزال السقوط مستمرا! ربما يكون القاع راحة لو توقف، فكل دولنا العربية، ترتدي ـــ الصومال ـــ نموذجا في أمراء الحرب، والانتصار الذي يهبه الشيطان لمن يعطيه أرواحا بريئة أكثر.
تُلاقينا الفتنة، أو نسعى إليها، واليمن يأكل اليابس من أوراق الشجر جوعا، وفي كل فجر تضم أرضه أطفالا رضعا وليس من أحد حولهم يملك لهم ما يستبقي حرارة أكبادهم ولو بكسرة من لقيط الخبز وفتاته.. ومع كل روح هناك يواريها جوعها، تتباعد الشقة بين اليمن وجيرانه الأوفر حظا، بمنابع بطون أرضه! والأكثر تلفا للطعام الصالح للأكل بمفارقة حال اليمن، الدين، والعروبة، والقربى. يفقد كل يوم روحا من نسائه وأبنائه بما لا يستطيع استعادته، ولا يعرف وجه الحيلة فيه.
هذا كله.. وأكثر منه يلوح في الأفق، وقد استهلت بوادره القاعدة القرآنية: أن الذي ينسى الله، يُنسيه الله نفسه، وينسيه الطريق لخلاصه، ويضله وهو يسير في أوضح المسالك.. فهذه نصف مليون طن من الطعام، تلفظها كل مدينة سعودية، أو تلقي بها طعاما للنار، كأنها حضارة سبأ ـــ التي كفرت بأنعم الله ـــ حتى أذاقها الله لباس الجوع والخوف!
في سنن الله ربما يستبدل الله بنا غيرنا، ثم لا يكونوا أمثالنا. في هذه الأنانية، وفي هذا الضلال عن كل هدى، وفي هذا البعد عن رحمة بعضنا لبعض، وفي تخلينا عن مسؤوليتنا الجمعية تجاه كل شيء، وفي التعامل مع كل شيء، وفي الفساد لكل شيء أولها قلوبنا وآخرها.. عقولنا، وعفة أيدينا! بات كل مرفأ في المدن العربية يبحث عن مرفأ، وكل ملاذ يبحث عن ملاذ، وكل روح تبحث عن خلاص، فقد تشابهت القلوب، وتباعد عن كل قلب مسراه.. وتباعد عن كل روح طيب النجوى، بحق أقول لكم تُلاقينا الفتنة، أو نسعى إليها في كل شيء. وفي كل حين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي