رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«حسن كانتون» والدولة الفاشلة

كانتون (Canton) كلمة تعني مقاطعة أو إقليما، وتستخدم أيضا بمعنى الفعل وهو ''يقسم'' بلداً لتصبح مقاطعات، وأخذت الكلمة معنى سلبيا، حيث أصبح فعل التقسيم يأتي لأسباب داخلية أو خارجية، أو لكليهما معاً لتقسيم البلاد إلى مقاطعات أو محافظات متدابرة أو متناحرة أو في أحسن الأحوال منفصلة.
بكل بساطة يستطيع أن يرصد المحلل الاستراتيجي ما تقوم به إيران من صناعة كانتونات طائفية في الدول العربية باستثمار الفجوة بين الواقع والمأمول لظروف الطوائف من غير الأمة الإسلامية السنية ذات الأغلبية بهدف إضعاف الدول العربية وتحويلها لدول فاشلة يمكن أن تسيطر عليها إيران من خلال أذرعتها الطائفية التي تهيكلها سياسياً وعسكرياً وتدعمها مالياً ولوجيستياً وسياسياً، وبالتالي السيطرة على منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم الإسلامي بشكل عام.
إيران تعتقد أنها إذا استطاعت السيطرة على الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق فقد هيمنت على العالم الإسلامي لأن بقية العالم الإسلامي دينياً يتبع هذه المنطقة، كما يثبت التاريخ، وهذا ما عملت عليه إيران بدهاء استراتيجي ومكر تزول منه الجبال، واستطاعت في غفلة من الزمان ومن خلال تغليف مشروعها بدعوى دعم المقاومة لتحرير الأراضي العربية في لبنان وفلسطين من إسرائيل أن تتغلغل في لبنان واليمن والعراق وسورية وبعض الدول الخليجية بشكل متفاوت وتؤسس لأحزاب وكتل طائفية تخالف أنظمة دولها وتتغول عليها وتعمل خارج إطار مشاريعها التنموية لمصلحة المشروع الإيراني في المنطقة، والكل يعرف هذه الأحزاب ورموزها وأفعالها المشينة بحق بلدانها وإن خرجت علينا بأي هوية أخرى.
من أخطر وأنجح المشاريع الإيرانية في العالم العربي مشروع تأسيس حزب الله اللبناني الذي تغوّل على المقاومة في الجنوب اللبنانية وأنهى رموزها بكل الطرق والوسائل بما في ذلك التصفيات الجسدية ليحتكر المقاومة ليحقق الهدف الأول، وهو تغليف المشروع الإيراني بهوية المقاومة العربية الإسلامية للمشروع الإسرائيلي في المنطقة، ولقد استطاع هذا الحزب أن يرسخ صورة إيجابية في أذهان أبناء الأمة الإسلامية كافة - ما عدا ثلة قليلة تعرف جذوره وأهدافه لم يلتفت لها أحد - نتيجة ما حققه الحزب مدعوماً من إيران من إنجازات معظمها وهمي، خصوصا حربه مع الكيان الصهيوني عام 2006 التي ادعى بها النصر رغم تدمير الجنوب اللبناني بشكل مأساوي.
مشروع حزب الله ونجاحاته وإعجاب معظم أبناء الأمة الإسلامية به مكّنه من التمدد من ناحية، كما حفز الطوائف غير السنية كافة للتعامل مع إيران لاستنساخ هذه التجربة الناجحة من وجهة نظرهم ما وتّر العلاقات في هذه الدول بين الأمة المسلمة السنية والطائفة الشيعية الاثني عشرية والطوائف التي تطوف في فلكها التي أصبحت مرجعياتها تعود بالمحصلة لمرشد الثورة الإيراني، ولا شك أن ما يحدث اليوم في العراق وسورية واليمن يؤكد ذلك، حيث طغيان اللغة الطائفية، ومن ذلك ما حصل في اليمن في محافظة صعدة بعد أن تسلم الحوثيون جثة حسين الحوثي حيث كونت محافظة صعدة ميليشياتها بدعم من إيران وباتت خارج سيطرة الحكومة اليمنية وبدأت بنخر الدولة اليمنية لتدفع بها إلى الفشل والتشتت والتشرذم بالتحالف مع بعض مكونات الجنوب اليمني استناداً إلى المصالح المشتركة.
ما لا تدركه الطوائف من غير الأمة الإسلامية السنية أن إيران تضطهد أربعة ملايين شيعي عربي لأنهم عرب غير فرس، كما أنها تضطهد للسبب ذاته ملايين الشيعة الأذريين وتحرم الجميع من أبسط الحقوق مثل حقوقهم اللغوية العرقية، أما المكونات السنية في إيران فاضطهادها من نوع أكثر قسوة لأنهم ليسوا بفرس وليسوا بشيعة، نعم أعتقد أن أغلبيتهم لا يدركون أن إيران دولة شعوبية طائفية تتسلل لمواطني الدول العرب بدعوى رفع المظلومية عنهم وهي تمارس أشد أنواع التمييز العنصري والاضطهاد ضد مكوناتها التي يتشابه أحدها مع شيعة المنطقة بالعرق والطائفة.
في المقالة السابقة توقعت أن يقف ويتعرقل المشروع الإيراني بعد أن كشفته الثورة السورية التي عرت الأحزاب الطائفية التي تدور في فلك المشروع الإيراني وتمردت على دولها فتحولت من أحزاب تعمل في إطار الدستور إلى حكومات موازية تتخذ قراراتها خارج أي هياكل سياسية لدولها كما فعل حسن نصر الله الذي أعلن المشاركة في محاربة الشعب السوري الثائر ضد الظلم والطغيان والاستبداد في قرار يناقض به سياسة الدولة اللبنانية بالنأي بالنفس عن الثورة السورية التي وقع عليها الحزب كما يناقض عقيدته المتمحورة حول مظلومية الحسين بن علي - رضي الله عنه - ليستخدم اسمه لدعم الظالم بدعوى حماية ظهر المقاومة والحقيقة هي دعم المشروع الطائفي في المنطقة للسيطرة على العالم العربي لمصلحة ولاية الفقيه في قم.
حسن نصر الله أو ''حسن كانتون'' انكشف أمره وأمر حزبه فتحركت الأمة ضده بشكل كبير ولافت للنظر وحدثت تحولات سياسية نتوقع أن تتبعها تحولات عسكرية على الساحة السورية، الأمر الذي أفقده صوابه وصواب أسياده في طهران، حيث تحولت استراتيجيتهم من التغلغل الناعم الخفي إلى الاختراق العنيف الظاهر فتحولوا من الاستراتيجية الأساسية إلى ردود الأفعال، وهذا في حد ذاته فشل لهم، وأتوقع أن ينعكس هذا الفشل على كل الكانتونات المزروعة في جسد الأمة العربية مستقبلاً لأن اللعبة كُشفت وباتت مثل هذه الأحزاب منبوذة في دولها وفي إقليمها وفي الأمتين العربية والإسلامية ولم تعد تنطلي حيلها ومسوغاتها على أحد.
ختاماً نتطلع جميعاً إلى أن تلعب حكوماتنا دوراً كبيراً وذكياً لإيقاف المد الطائفي الإيراني في بلداننا وسد الطريق عليهم بتعزيز مواطنة الجميع وتوعية الطوائف كافة بأن المخطط الإيراني لا يهدف لمصلحتهم بقدر ما يستهدف استخدامهم كوقود لتفتيت أوطانهم وإفشالها لمصلحته، وأنه يضطهد الأقليات الطائفية في بلاده وأن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي