حزب الله.. استهلاك المثالية
"أحسن طريقة لقتل مثالية ما هي أن تحققها"
جان كنث قالبرث
وصلت المنطقة العربية إلى درجة من الفوضى والتناقضات المعتبرة، ولعل أفضل مثال هو صورة وواقع حزب الله. يبدأ التناقض في تلاقي عقيدتين مختلفتين في تعاون هابسوني "انتحاري" فحزب الله العقدي الأصولي "نظرياً والتابع لإيران في تعاهد مع عقيدة حزب البعث العربي القومي" نظرياً. هذا التناقض النظري تم تجاوزه وتعريته بسبب الحاجة السياسة الملحة للبقاء. فهم التعاون الهابسوني يبدأ في تقدير توازن القوى، فسورية التي اختارت التعاون مع إيران في عهد الأسد الأب الأكثر حنكة، أصبحت مع الأسد الابن أضعف تدريجياً إلى أن أصبحت تدور في فلك الطموح الإيراني. ذكر الخاميناني أن إيران تعاهد سورية مع أنها ليست دولة شيعية ولكن ما لم يذكره هو وضوح الرغبة في العمق والحسابات الجيواستراتيجية ("الاقتصادية": صراع عمالقة المنطقة عدد 5839 تاريخ 6/10/2009). ففي الوقت الذي تستهلك إيران البعد الأيديولوجي الثوري تدريجياً وتبدأ في إحلال البعد القومي تصبح تبعية ودور سورية أكثر وضوحاً ويصبح دور حزب الله أقل منطقية نظرياً، وأوضح جوهرياً وعملياً على أرض الواقع. آخر إرهاصات التجاذب بين سورية والحزب كانت على أثر اغتيال عماد مغنية في 2008 بعدها انتهى عهد القرار السوري المستقل.
يا ترى كيف وصل حزب الله إلى هذه المرحلة من الانكشاف؟ اكتملت الدائرة القومية الإيرانية في تطور أدوار حزب الله. أحد مقومات الشخصية الإيرانية البعد الأيديولوجي (تذكر أن إيران اختارت المذهب في محاولة للتمركز ضد تركيا)، فالبعد الأيديولوجي كامن (أيام الشاه) وظاهر مع النظام الثوري. أسس الشاه نواة الحزب حينما أوفد الإمام الصدر في الوقت الذي كانت العلاقة الإسرائيلية - الإيرانية في أحسن حالاتها. حالة أبناء الطائفة الشيعية في لبنان بالرغم من التمثيل السياسي "فرئيس البرلمان كان دائما شيعياً"، سمحت بالتجذر التنظيمي على حساب الدولة المركزية الضعيفة تاريخياً. جاء الاحتلال الإسرائيلي ليعطي شرعية للمقاومة وفرصة إيرانية. ولذلك تغير دور حزب الله من داعم للشيعة وتحرير الأراضي المحتلة إلى مخلب لإيران في المنطقة العربية. أتى التدخل في حرب سورية الأهلية ليعبر عن هذا التناقض ويستهلك رصيد حزب الله في محيطة اللبناني والإسلامي، بل إنه أصبح مصدر حرج للشيعة العرب. هذا التناقض والحرج تم بسبب تزعزع وضعف النظام السوري الذي بدوره أتى بسبب استهلاك النماذج السياسة والاقتصادية وحقيقة أن شريعة النظام أصبحت مكان تساؤل بسبب قيامها على أقلية. أخيراً استهلك حزب الله رصيده المعنوي والأخلاقي واستطاع تراكم الخصومات في محيطة اللبناني والعربي، دخوله المعترك السوري أنهى آخر غطاء للمثالية والعمل الدؤوب للحفاظ على تناقض هيكلي.
تكتيكيا كان لا بد للأسد من استخدام الورقة الطائفية. ضعف النظام السوري أدى به في الأخير إلى المراهنة على البعد الطائفي، ولكنه لا بد أن يكون واعياً إلى خطورة هذا البعد، ليس فقط عليه بل على حزب الله واستراتيجية إيران التي تريد أن تقنع العالم العربي والإسلامي بأنها نبراس الثورة الإسلامية. اصطدمت إيران بالتناقض في استراتيجيتها، فهي قومية في الجوهر وإسلامية في الشعار. الثورة السورية ضد الأسد أصبحت مأزقا عميقا سياسياً في انكشاف هذه التناقضات الإيرانية، خاصة أنها أتت في وضع اقتصادي غير ملائم لإيران بالرغم من المساعدات العراقية. الإشكالية أن الورقة الطائفية خطيرة وغير مناسبة لظروف تكتيكية، إذ تصبح الطائفية مصدرا آخر لتدمير نطاق شرعية ضيق في الأساس. استخدامها يدل على صعوبة الموقف ومجازفة كبيرة بالرغم من أن النزاع في الأخير جيواستراتيجي وهذه هي أم التناقضات. وصل حزب الله إلى النهاية المنطقية، فدوره الداخلي حيث إنه الميليشيا الوحيدة التي تحمل السلاح وأصبح منبوذا في المحيط العربي والإسلامي ذي الأغلبية السنية. لذلك فإن الخسائر أكثر من الفوائد مستقبلاً.