رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


القبول في جامعاتنا والتعاون مع المهنيين

''ابحث عن مهنة قبل أن تبحث عن التخصص''، هذه نصيحتي لك عزيزي الشاب الباحث اليوم عن التخصص المناسب لك في بحر الجامعات والمعاهد والدبلومات، وبعبارة أخرى ابحث عن تخصص يقودك إلى مهنة عريضة لها طلب فاعل في السوق السعودية. ذلك أن فرصك في المهنة ذات السوق الفاعلة لن تنحصر في الوظائف الحكومية، إنما هناك دائما مجال واسع في قطاعات اقتصادية عديدة، ولقد رأيت مهنيين رضوا بالوظيفة الحكومية في بدايات الحياة ثم لما عرفوا حجم الدخل الذي توفره المهنة خارج القطاع الحكومي قدموا استقالاتهم غير آسفين. هناك تخصصات عديدة في الجامعات التي قد لا تلفت انتباهك لأول وهلة، لكنها في الحقيقة تمثل ركيزة أساسية لمهنة ذات طلب فاعل. ومن المهم أن تسأل نفسك عزيزي الطالب عن ماهية المهنة التي تحب أن تعمل فيها بعد التخرج، ثم ابحث عن التخصص الذي يقدمها، وليس بالضروروة أن يكون في جامعة، بل هناك معاهد وكليات تمنح دبلومات توفر دخولا مناسبة لتلك المهن، بل تختصر سنوات طويلة من عمرك. ولقد عرفت العديد من الناس الذين أصروا على طلب البكالوريوس حتى لو كان في تخصص أكاديمي بحت (أي لا يؤهل لمهنة) وأضاعوا خلفها سنوات من العمر ثم عادوا للبحث عن مهنة، بينما اتجه آخرون لشهادات أقل كالدبلوم المتوسط ووجدوا العديد من الفرص الوظيفية واختصروا الزمن؛ لأنهم اختاروا تخصصات تقود إلى مهن واضحة.
الجامعات في حاجة إلى تخصصات ذات صبغة أكاديمية، هذا دورها وهي لا تلام عليه، وهي أيضا تقدم العديد من البرامج التي تقود إلى مهن. ما يعاب على الجامعات السعودية، أنها تعامل جميع التخصصات بطريقة واحدة (ما عدا الطبية منها)، بغض النظر عن كونها مهنية أو أكاديمية. وهذا جزء من السبب الرئيس في عدم وضوح الرؤية أمام المجتمع بشكل عام. وهذه المشكلة تظهر بوضوح في الفصام النكد بين المهنيين وبين هذه المراكز العلمية، فالمهنيون لا يثقون بالأكاديميين، والأكاديميون لا يعتمدون على المهنيين. لذلك يشعر الطالب في معظم هذه التخصصات (المهنية) بانفصال كامل عن واقع المهنة. فهو يتخرج ولا يعرف كيف الوصول إلى المهنة ولا كيف يتعامل مع المهنيين، ولا أين، ولا من هم أبرز المهنيين في المجتمع. يتخرج الطالب بلا خبرات ولا تجارب، ولا حتى من يدله على ذاك الطريق. الأكاديميون غارقون في أبحاثهم ومكاتبهم المغلقة في الجامعات، ومؤتمراتهم الأكاديمية المتعلقة بالنشر العلمي للترقية العلمية، بينما ينعزلون (جزئيا) عن المؤتمرات المهنية التي - عادة ما - تقدم فيها عروض لما استقر عليه البحث العلمي. لهذا لا يستطيع الأكاديمي (مع بعض الاستثناءات) في الجامعات السعودية أن يقود طلابه إلى واقع المهنة، فهو في الحقيقة ''مهني'' غير ممارس.
في مقابل ذلك، ومن المؤلم، أن تعج المملكة بالآلاف من أبنائها المهنيين الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية من جامعات محلية وعالمية مرموقة ولديهم فوق هذا خبرات كبيرة ومهمة جدا، ثم لا تستعين بهم الجامعة في تدريس بعض المناهج، خاصة تلك التي تشمل تطبيقات وتدريبات غير نظرية. من المؤلم أن تعاني الجامعات السعودية عدم وجود كفاءات علمية، وتضطر إلى أن تقبل بمستويات ضعيفة (بل هزيلة بعض الأحيان) لتغطية العجز، وبين يديها الآلاف من أبناء الوطن، ممن لديهم الرغبة في المشاركة والعمل على تنمية قدرات الشباب وإقحامهم في المهنة. ومن الغريب فوق هذا كله أن نجد مهنيين حاصلين على درجات علمية كالدكتوراه ويقدمون دورات تدريبية متنوعة، ولهم قبول وحضور مشهود، ثم لا يجدون لهم طريقا للمشاركة في أعمال الجامعات، ولا المشاركة في اجتماعات الأقسام العلمية، ولا مجالس الكليات، ولا يؤخذ لهم رأي في المناهج والمقررات.
ورغم هذا الفصام فإن القضية ليست قضية لائحة، بل إن لائحة التعليم العالي تجيز ذلك تماما، لكن المشكلة في التطبيق المحدود جدا، فعندما تحتاج الأقسام العلمية (التي ترغب في هذا التعاون) فعليها أن تقدم تبريرات بعدم وجود المختص أو عدم القدرة على استقدامه، وحتى لو توافرت المبررات واقتعنت إدارة الجامعات بالتعاقد مع المهنيين، فإن العائد المخصص لهم ضعيف جدا، خاصة في تلك المهن التى يحقق المهني فيها من العوائد في ساعة واحدة ما يحققه من التعاون مع الجامعة في شهر، فالتعاون مع الجامعات عند مثل هؤلاء لا يغني ولا يسمن من جوع، بل عبء هو في غنى عنه، خاصة مع إجراءات الأقسام العلمية في ملف المادة العلمية.
إنني أدعو من خلال هذا المقال إلى النظر بجدية في تعديل اللوائح الخاصة بعمل المهنيين في الجامعات، وأن يتم منحهم عوائد مادية مجزية، خاصة في برامج التعليم الموازي على أقل تقدير، وأن تفتح الفرص للأكاديميين للعمل في المهنة بشكل أكبر مع بقائهم على رأس عملهم الأكاديمي. فمثل هذا الإجراء سيجعل الطالب أكثر التصاقا بالمهنة والمهنيين، بل يمكن لبعض الطلاب البدء بممارسة المهنة قبل تخرجهم في الجامعة، ما يوفر لهم عوائد تساعدهم على توفير متطلبات الجامعة، ويسهل عليهم دخول عالم المهنة بسهولة بعد التخرج. كما أن التوسع في هذا التعاون المشترك، سيقود المجتمع إلى وعي كبير بالتخصصات المهنية في الجامعات (غير تلك الطبية منها)، وهو ما سيقود حتما إلى وعي أكبر عند اختيار التخصص في مثل هذه الأيام الصعبة والمحيرة للكثير من الأسر. ومن المهم في نهاية هذا المقال أن أشير إلى أن هذا التعاون المشترك يجب ألا ينحصر على الجامعات، بل جميع المعاهد والكليات الأخرى التي تقدم برامج الدبلومات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي