نماذج مضيئة اقتصاديا

ذكر صديقي الكثير من اللوم والعتب، حيث يتهم الكثير من كتاب الرأي بالنظرة الاقتصادية القاسية أحيانا والنظرة التشاؤمية أحيانا أخرى. لعله من الطبيعي أن يكون كاتب الرأي خاصة الاقتصادي كثير الاهتمام بالبحث عن النواقص والفجوات، ولكن أيضاً ليس دورهم كيل المديح والمجاملة دون حساب. بين هذا وذاك مسافة كبيرة في الحالة النفسية والفكرية، ولكن للحياة العملية استحقاقات، إغفالها يفقد الصورة العامة أجزاء مهمة، بغض النظر عن الحالة الذهنية والنفسية للكاتب. فالتفاؤل والتشاؤم حالة نفسية وليدة الواقع وفي تفاعل مستمر ولكنها ليست أقوى من الإنجاز ودور الاختراقات في تغيير النهج والتزايد التصاعدي الإيجابي. لعل أفضل طريقة أن نستعرض بعض مما يدور على أرض الواقع من نقاط مضيئة. أختار ثلاثة نماذج من زوايا مختلفة يجب التوقف عندها.
النموذج الأول في قدرة الفرد على نفسه بأخذ موقف شخصي بعد وعي بعمق الإشكالية وتعقيداتها وصعوبة التعامل إلى حد محدودية دوره المفترض فيها في ظل معطيات بشرية ونظامية أو مؤسساتية. فهناك المهندس عبد العزيز الصقير الذي استطاع أن يقوي نفسه ويترك وظائف لامعة. الاستقالة لدينا بسبب ظروف عملية واضحة أو اختلاف في الرؤى الاستراتيجية نادرا ما يحدث أمام هوى ومحاولة استدراك ما يمكن تحت أنصاف أعذار، ولكن الصقير استطاع عملها مرتين. قد ينجح أو لا ينجح في مهمته الثالثة خاصة أنه وصلها في مرحلة متقدمة من الأذى التراكمي، ولكن للمتابع الرصين الحكم بعد تفهم الظروف الموضوعية، وهذا قد يأخذ ثلاث سنوات.
النموذج الثاني في إنجاز شركة التصنيع تحت إدارة مؤيد القرطاس، تسلّم الشركة حينما كانت شركة قابضة ضائعة الهوية دون شخصية واضحة، على الرغم من سعة أفق وآمال ووطنية المرحوم محسون جلال، ازدادت المبيعات من نحو 500 دولار إلى أن وصلت إلى خمسة مليارات حينما ترك الإدارة التنفيذية قبل أشهر قليلة. لا بد أن هناك عوامل أخرى، ولكن عدم التوقف عند دور مؤيد فيه ظلم كبير.
النموذج الثالث أن هناك شركات وطنية استطاعت بناء أعمال جديدة مراهنة على الميزة النسبية أو بناء نموذج جديد في قطاعات قائمة، فمثلا هناك مجموعة الخريف التي استطاعت تحقيق نجاح معتبر في الخدمات النفطية مراهنة على الميزة النسبية واستطاعت اختراق الأسواق العالمية، وهناك مجموعة سليمان الحبيب الطبية التي على الرغم من التوسع الداخلي والخارجي وصعوبة النجاح في قطاع صعب الإدارة استطاعت النجاح، ولعل التحدي في مدى القدرة على المحافظة على مستوى الخدمة والكفاءة، وهناك شركة جرير حيث استطاعت بناء شخصية معتبرة في ظل أداء مالي متميز ومهنية واضحة. نجاح هذه المجموعات لا يعتمد غالبا على فرد ولكن إغفال دور القيادة وخلطه بالإدارة أحد أسباب قلة هذه النماذج.
هناك نماذج أخرى وأنا متأكد أن هناك أمثله أكثر لا أعرفها خاصة في مناطق أخرى من المملكة، وقد تكون أكثر تميّزا قياسا إلى نقطة البداية والظروف الموضوعية الخاصة بها، ولكن عدم معرفتي بها يمنعني من الحديث عنها. المهم أن هناك نماذج ناجحة وأملا كبيرا وقدرات ظاهرة وكامنة. علينا إعادة الهيكلة والتفكير لتحفيز غيرهم بالاستمرار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي