رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


عندما تقترض الشركات السعودية من الخارج

أعلنت واحدة من أكبر الشركات في القطاع العقاري السعودي (شركة دار الأركان) إطلاق برنامج لبيع صكوك إسلامية دولية بنحو 2.8 مليار ريال، وذلك لتمويل مشاريع إسكانية حسبما أفادت به الشركة. وتمكنت الشركة من تسويق الشريحة الأولى من هذه صكوك بقيمة 1.7 مليار ريال قبل نحو ثلاثة أسابيع، بسعر فائدة بلغ 5.75 في المائة. هناك أسئلة عدة تطرح نفسها حول هذا البرنامج، منها أولاً لماذا تضطر أكبر شركة تطوير عقاري في المملكة العربية السعودية إلى اللجوء للخارج لتمويل مشاريعها؟ خصوصاً أن هذا يتم في الوقت الذي تنعم فيه السوق السعودية بسيولة عالية غصت بها خزائن المصارف، وعند معدلات فائدة غير مسبوقة، حيث من المتوقع مواصلة انخفاض معدل سايبور (سعر الفائدة بين المصارف) إلى ما دون 1 في المائة ليصل إلى 0.80 في المائة مع بداية العام المقبل، وفق توقعات حديثة لمجموعة سامبا المالية، هذا مع بقاء أسعار الفائدة الدولية عند مستويات متدنية. ثم هل سعر الفائدة الذي ستدفعه ''دار الأركان'' مقبول، عطفاً على المركز المالي الرسمي للشركة؟
أولاً أشير إلى أن صكوك دار الأركان مقومة بالدولار وليست بالريال، فهل هناك شك لدى المستثمرين الدوليين في قوة الريال السعودي، ما يضطرهم لاشتراط أن تعاد أموالهم بالدولار؟ مثل هذه التخوفات لدى المستثمرين نجدها في سندات الدول الفقيرة أو التي لديها مشاكل اقتصادية فيكون السبيل الوحيد لتخفيض تكلفة الفائدة على الشركة أن يتم ذلك عن طريق إصدار سندات مقومة بالدولار. المشكلة الأخرى تكمن في سعر الفائدة البالغ 5.75 في المائة، وهو سعر مرتفع جداً، الأمر الذي يفسر سبب تغطية الاكتتاب بنحو أربعة أضعاف المبلغ المطلوب من الشركة. قبل الحكم على سعر الفائدة بأنه مرتفع أم لا، كيف يمكننا معرفة ما إذا كان سعر الفائدة المفروض على الشركة معقولا أم لا؟
عندما يقوم المستثمر الدولي بتقييم عناصر المخاطرة لسند ما، فهو يأخذ في الاعتبار عوامل عدة، تشمل ملاءة الشركة ومستقبلها وحجم ديونها الحالية وجودتها في تسديد الديون السابقة، وينظر كذلك لجودة السيولة في السوق الثانوية للسندات، حيث كلما كانت سندات الشركة نشطة في السوق الثانوية انخفضت تكلفة الفائدة المطلوبة. يقوم المستثمر كذلك بمقارنة العوائد الممكنة من خلال شركات أخرى تعمل في المجال نفسه، وكذلك أسعار الفائدة العامة، والوضع السياسي في الدولة، وأسعار صرف العملة، وغيرها من العوامل. لو نظرنا إلى جميع هذه العوامل فمن المفترض أن تكون تكلفة الفائدة على شركة دار الأركان أقل مما اضطرت الشركة لدفعه .. لماذا؟
لاحظ أولاً أن الشركات السعودية التي أصدرت سندات أو صكوكا في السنوات القليلة الماضية، جميعها بلا استثناء لم تصل تكلفة الفائدة عليها ولا حتى 3 في المائة، وجميع هذه السندات من النوع غير المضمون. على سبيل المثال، صكوك شركة الكهرباء بحدود 2 إلى 2.60 في المائة، وصكوك البنك الهولندي نحو 2.90 في المائة وشركة صدارة إلى أقل من 2 في المائة. مثل هذه المعدلات تتماشى مع تكلفة الفائدة على الشركات القوية في الخارج، حيث تراوح معدلات الفائدة فيها بين 1.50 في المائة و3.50 في المائة. هناك على سبيل المثال سندات لمصارف أمريكية كبيرة عند هذه المستويات، وتلك الخاصة بالشركة العملاقة شركة (إنتل) تبلغ معدلات الفائدة على سنداتها بحدود 1.50 في المائة. في المقابل نجد أن الشركات التي لديها مشاكل مالية أو نظرة تجارية سلبية ترتفع تكاليف الفائدة عليها لتصل إلى ما فوق 5 في المائة. مثلاً شركة (قود يير) للإطارات تبلغ الفائدة على سنداتها نحو 5.7 في المائة، وهو مطابق لتكلفة صكوك دار الأركان، إلا أن الفرق هنا – عدا اختلاف الصناعة – هو أن شركة الإطارات لديها ديون والتزامات تعادل إجمالي أصولها، أي أنها شركة غارقة بالديون.
النقطة الأخرى السلبية بخصوص صكوك دار الأركان هو أنها صكوك متوسطة الأجل، لمدة خمس سنوات فقط، فمن المفترض أن تكون تكلفتها أقل بكثير مما هو متحقق، والسبب يعود لمنحنى عائد الاستحقاق، حيث إننا حالياً نمر بمرحلة يأخذ فيها المنحنى صعوداً حاداً، بمعنى أن أسعار الفائدة للآجال القصيرة أقل بكثير من تلك الخاصة بالآجال الطويلة. للتوضيح، نجد أن أسعار الفائدة على السندات الأمريكية، التي تؤخذ كمؤشر على أسعار الفائدة العالمية، وبكل تأكيد على أسعار الفائدة في المملكة، نجد أن أسعار الفائدة لعام واحد نحو 0.12 في المائة (أي نحو عشر واحد في المائة)، وترتفع إلى ما فوق 1 في المائة لسندات خمس سنوات، وتتعدى 2 في المائة لسندات عشر سنوات، وأكثر من 3 في المائة لسندات 30 سنة. هذا التصاعد في أسعار الفائدة ليس بهذا الشكل على الدوام، بل يحدث أحياناً أن تكون الفائدة على الآجال القصيرة أعلى من الآجال الطويلة، ويؤخذ ذلك على وجود نظرة سلبية مستقبلية للاقتصاد ككل. إذاً في مثل هذه الأوقات، وعطفاً على شكل منحنى عائد الاستحقاق، من المفترض أن تكون تكلفة صكوك دار الأركان المستحقة بعد خمس سنوات أقل بكثير مما هو متحقق فعلياً.
وعلى الرغم مما سبق، من الممكن أن تعتبر صكوكا مصدرة بفائدة 5.75 في المائة معقولة جداً، إذا كانت الشركة تعاني مالياً أو أن لديها مشاكل مستقبلية، حيث معروف أن هناك شركات تطرح سندات بسعر فائدة مرتفع جداً، يتعدى 10 في المائة، إذا لم تجد الشركة حلاً لتمويل مشاريعها غير ذلك. بل إن السندات ممكن أن ترتفع عوائدها بشكل حاد متى ما زادت حدة التخوف من الشركة المصدرة، أو حتى الدولة المصدرة. على سبيل المثال، رأينا كيف أن السندات اليونانية وصلت معدلات الفائدة عليها إلى ما فوق 30 في المائة بسبب المشاكل الاقتصادية، وهناك شركات دولية تصل العوائد فيها إلى أكثر من 50 في المائة، وهي موجودة ويتم تداولها بشكل يومي. أي أن سعر الفائدة على السندات مرتبط بشكل كبير بقوة الجهة المصدرة لها. لكن عند النظر إلى شركة دار الأركان، نجد أن قوائمها المالية قوية ومتينة ولا تشير إلى أي مشاكل من هذا النوع. بحسب آخر تقارير الشركة، تتجاوز قيمة أصول الشركة 22 مليار ريال، ومجموع التزامات الشركة أقل من 5.50 مليار ريال، ما يعني أن حقوق المساهمين أكثر من 16 مليار ريال، والشركة تربح في كل فصل ما يقارب ربع مليار ريال، هذا عدا مؤشرات أخرى إيجابية كمعدل السيولة الجارية ومكرر تغطية تكلفة الفائدة.
ختاماً، إن لجوء أكبر شركة في القطاع العقاري السعودي - الذي بدوره يمر بأقوى مرحلة في تاريخ العقار السعودي – إلى الاقتراض من الخارج وبأسعار فائدة مرتفعة أمر يثير عددا من التساؤلات، بخصوص دور المؤسسات المالية السعودية، وصحة القوائم المالية للشركات السعودية، حيث من الواضح أن هناك خللا ما بين ما هو مفترض من خلال قراءة القوائم المالية وبين ما نجده على أرض الواقع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي