غذاؤنا الملوّث .. والأمراض الجديدة
بعد حرب تحرير الكويت ظهرت أمراض جديدة وغريبة لم نكن نعرفها .. جلطات دماغية وسكتات قلبية .. وتشوّهات في الأجنّة والمواليد وإعاقات مختلفة وسرطانات منوعة .. وطالبنا بأن تعمل مراكز البحث بحوثاً علمية لمعرفة أسباب هذه الأمراض وهل لها ارتباطٌ بدخان المعارك والمواد الكيماوية التي استُعملت في تلك الحرب ولكن لا حياة لمَن تنادي .. وظهرت في أمريكا وغيرها من دول العالم حالات تمّ رصدُها لبعض مَن شاركوا في تلك الحرب وتأكد تأثيرها في صحتهم .. وطالبوا وربما حصلوا على تعويضات مجزية والأهم من ذلك تمّ علاجهم بطريقة صحيحة ترتكز إلى نتائج البحث العلمي عن أسباب المرض!
وإلى جانب تلوّث الهواء حولنا بسبب الحروب التي مرت على تلك المنطقة هناك تلوّث آخر لا يقل خطورة وهو تلوّث الغذاء، فلقد كشفت الحملة الموفقة التي قامت بها أمانة منطقة الرياض أخيراً على المطاعم والمخابز والفنادق، أن بعض هذه المرافق لا تلتزم بقواعد النظافة والاشتراطات الصحية، وشاهدنا على شاشة التلفزيون مقاطع مقرفة ومقززة جعلتنا نشك في أي طعام يطبخ خارج منازلنا حتى لو كنا في أماكن يُطلق عليها فئة خمس نجوم .. وأكدت لنا في الوقت نفسه أن هناك ارتباطاً بين هذا الغذاء الملوّث والأكلات السريعة التي صرفت شبابنا وأطفالنا عن الأكل في منازلهم وبين تلك الأمراض الجديدة التي ذكرتها من قبل، إضافة إلى السمنة المفرطة التي نلاحظ انتشارها حتى بين الأطفال الذين يُفترض فيهم الحركة الدائمة والنشاط المحرق لأي دهون والمكافح لأي سمنة أو ترهل.
وبدل أن نشهد تكثيفاً لبرامج التوعية الصحية والمدرسية حول خطر هذا النوع من الطعام والوجبات، نجد كثافة في إعلانات مطاعم الوجبات السريعة والمشروبات الغازية وإدخالها في المسابقات بشكل يوحي بأنها هي الطاقة التي تقوي الجسم والذهن للفوز في المسابقات والحصول على أجمل الهدايا .. ويمكن ملاحظة ذلك جلياً من خلال التشويق الذي يصاحب تلك الإعلانات وإخراجها وفق أرقى فنون الإخراج والتصوير واختيار أوقات المشاهدة العالية لبثها!
وعودة إلى موضوع تلوّث الهواء والغذاء أقول إن لدينا تقصيراً واضحاً في البحث العلمي والطبي، فأين وزارة الصحة وأين الهيئة العامة للغذاء والدواء، وأين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية .. بل أين الجامعات السعودية التي تتسابق على إنشاء الكراسي ولم نسمع حتى الآن أن أحد هذه الكراسي أصدر دراسة أو بحثاً يفيد المجتمع في أي حقل من الحقول ومنها المجال الذي نتحدث عنه.
وأخيراً: المؤمل ألا تتوقف حملة أمانة منطقة الرياض، بل تستمر وتعمم على جميع الأمانات والبلديات بشكل يجعلها من المهام اليومية لمراقبيها مهما كانت تكاليف ذلك، فصحة المواطن لا تقدر بثمن .. كما أن الجهات التي ذكرتها مطالبة بأن توضح إن كان لديها خطوات للبحث العلمي عن أسباب الأمراض الجديدة ومدى ارتباطها بتلوث الهواء نتيجة الحروب في المنطقة وكذلك تلوث الغذاء .. وسيكون إعلانها عن ذلك مصدر راحة للمواطن فأولى خطوات العلاج معرفة الأسباب أو بتعبير طبي دقيق "التشخيص الصحيح للمرض" مع الدعاء بأن يرفع الله عن مجتمعنا تلك الأمراض التي انتشرت بشكل ملحوظ، وأن يبعد عنا أسبابها من حروب وتجارب نووية تقوم بها دول مجاورة وغير مجاورة.