رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إنتاجية متقاعد

''مت قاعد'' كلمتان مشتقتان من كلمة ''متقاعد'' عادة ما يرددهما المتقاعدون في بلادنا الذين عادة ما يعانون مشاكل مالية وصحية ووقت فراغ كبيرا غير قادرين على استثماره، الأمر الذي يزيد مشاكلهم الصحية والاجتماعية، بل حتى النفسية حيث كثيراً ما نسمع عبارة ''لو يموت أحسن له'' يُريح ويرتاح - مع الأسف الشديد.
وإذا كان هذا موقف الأفراد من المتقاعد فموقف الحكومات لا يقل عن ذلك إذ ترى الحكومات أن المتقاعد مركز تكلفة على الوطن دون إنتاجية وتكاليفه في ازدياد كلما تقدم في العمر حيث ترتفع فاتورته الصحية، وفي ظل تحسن الرعاية الصحية في الدول الغنية أصبح المتقاعدون يتوفون بعد الـ 90 ما يعني أن الدولة تتحمل تكاليف تأهيل لمواطنها لأكثر من 21 سنة ثم ينتج لمدة 39 سنة ثم يتقاعد لمدة قد تصل لأكثر من 30 سنة أي أن سنين الأخذ أكثر من سنين العطاء.
الشيخ عبد الله بن عبد المحسن الماضي كسر الموقفين وقدم نموذجاً رائعاً للإنتاجية المتميزة بعد التقاعد تستحق العرض والتشجيع والاستفادة منها. وللأمانة فإن تجربته جعلتني أفكر فيما إذا كانت الجمعية الوطنية للمتقاعدين يمكن أن تقوم بإقامة نشاط سنوي لنجاحات المتقاعدين وتكرم المتميز منهم وفق شروط معينة بهدف تقديم نماذج عملية لتوعيتهم والمجتمع وتحفيز المتقاعدين للإنتاجية والعمل بما يتناسب وظروفهم وقدراتهم.
ما أعجبني في تجربة أبي عبد المحسن أنه خرج من دائرة الاهتمامات الشخصية بعد التقاعد إلى دائرة اهتمامات أكبر كالاهتمام بأسرة الماضي، والاهتمام بحرمة مسقط رأسه وموطن أسرته، وأخيرا الاهتمام بالمجتمع السعودي بشكل عام ما جعله يضع لنفسه أهدافاً نبيلة أضفت على نفسيته السعادة والسرور من ناحية، كما أضفت على من حوله روح المحبة له والتعاون معه ما جعله يتقدم في تحقيق أهدافه ويُسعد بذلك لينفي بذلك مقولة ''مت قاعد'' من ناحية، وينفي حقيقة عدم إنتاجية المتقاعد من ناحية أخرى. أصبح يعطي أكثر مما يأخذ حتى وهو اليوم يقترب من الـ 80 وجميع من حوله يتمنون أن يمد الله في عمره ويمتعه بالصحة والعافية والطاعة.
فمن ناحية أسرته شارك بفاعلية كبيرة وهو كبير الأسرة في إنشاء صندوق أسرة آل ماضي وتابع أعماله منذ عام 1405هـ ،الذي انبثقت عنه أول جائزة تفوق علمي أسري، حيث قام بتنظيم جائزة التفوق العلمي لأبناء أسرة آل ماضي منذ عام 1408هـ للجنسين التي أصبحت محفزاً كبيراً لأبناء الأسرة وأسرهم ليكونوا من المتفوقين المكرمين في احتفال سنوي يدعو له أعيان البلاد من أصحاب السمو الأمراء أو أصحاب المعالي الوزراء أو أصحاب الفضيلة من رجال ونساء، ولقد حضرت أحد هذه الاحتفالات المشرفة والمفرحة التي أتمنى أن تنتشر لدى جميع الأسر السعودية لما لها من أثر كبير في الجوانب التربوية والاجتماعية والعلمية رأيته بأم عيني على أبناء أسرة الماضي من أطفال وشباب، كما أصدر كتاب (التوثيق الأسري.. أسرة آل ماضي الوائلية) عام 1433هـ.
أما من ناحية خدمة أهالي موطن أسرته ''حرمه''، فقد قدم نشاطات تطوعية كثيرة يشرف عليها بنفسه ويبذل لها الجهد والوقت والمال هو وأبناؤه ليعلمهم فضيلة العطاء ومن ذلك كما حدثني ابنه الأكبر عبد المحسن الماضي متابعة خدمات ومرافق ومشاريع مدينة حرمة لدى الجهات الحكومية المختصة، تنمية موارد، والإشراف على تنفيذ مقر النادي الفيصلي في حرمة، ومنشآته الرياضية، والمساهمة في متابعة أعمال واحتياجات لجنة التنمية الاجتماعية في مدينة حرمة، تمويل إصدار وطباعة وتوزيع مجلة ''رسالة الفيصلي'' منذ عام 1405هـ.
وعلى مستوى خدمة المجتمع فقد قام بتنظيم منتدى عبد الله الماضي الثقافي منذ عام 1403هـ الذي يدعى له الكثير من النخب الثقافية، حيث تتم مناقشة قضايا تهم الوطن والمواطن والجميل أن كل الندوات موثقة بالصوت والصورة، ولقد حضرت بعضا منها وكانت ماتعة ومفيدة جداً وذات بعد اجتماعي حيث دائماً ما تعزز التآلف بين الحضور، كما تعزز ثقافة خدمة الوطن لدى أبناء أسرة الماضي، ومن خدماته للوطن إصداره أربعة كتب هي كتاب ''ذاكرة من الزمن'' عام 1428هـ، وكتاب ''خواطر وأحاديث للأبناء'' عام 1430هـ، وكتاب ''نشأة الإخوان ونشأة الأرطاوية'' عام 1431هـ، كما أنه وحسب ما ذكر لي الكثير ممن يعرفونه أنه يمضي الكثير من وقته وجهده لمساعدة الكثير ببذل جاهه لقضاء حوائجهم بالشفاعة لدى معارفه.
وبالمحصلة فقد ضرب لنا أبو عبد المحسن مثلاً في تجاوز معضلة الفراغ التي تواجه المتقاعدين بإدراكه أن الفراغ نعمة وأن الإنسان يستطيع أن يعطي لآخر لحظة من حياته إذا متعه الله بالصحة والعافية فأثرانا بمؤلفات نافعة، وقدم خبرته وحكمته لأسرته والمجتمع فتصالح مع نفسه وحقق الرضى الذاتي وحصل على المحبة والتعاون ممن حوله.
ولا شك أن هناك الكثير من المتقاعدين ممن هم مثل أبو عبد المحسن يمثلون قدوة حسنة لكل متقاعد يرى أن تقاعده بداية النهاية، فمنهم من برع في التجارة ومنهم من برع في الزراعة وآخرون تفرغوا للأعمال الاجتماعية والخيرية ومنهم من عمل مستشاراً لشركات كبرى استثمروا خبرته الطويلة لمصلحة تطوير أعمالهم وهكذا.
ختاماً لا شك أن التقاعد نقطة تحول في حياة الإنسان، ولا شك أن هناك من كان التقاعد نقطة تحول في حياته للأفضل والبعض الآخر للأسوأ، وأتطلع إلى أن يلعب تأسيس الجمعية الوطنية للمتقاعدين دورا كبيرا في دراسة التجارب الفردية الناجحة للمتقاعدين السعوديين وعرضها للجميع من خلال نشاط سنوي لتكون نبراساً للآخرين للاستفادة منها والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي