رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لم نستوعب بعد ضرورة ربط الحزام

كنت في منتصف السبعينيات الميلادية في زيارة سياحية مع العائلة والأولاد إلى سورية الحبيبة، مصطحبًا معنا سيارتي الأمريكية، حيث كان سيرنا عن طريق الكويت ثم بغداد سالكين الطرق الرئيسة التي تؤدي إلى العاصمة السورية دمشق. وكانت رحلة ماتعة وموفقة للغاية، قضينا خلالها ما يزيد على الشهر في المصايف السورية، وعدنا ولله الحمد سالمين. لكن الشاهد أننا كنا في أحد أيام الزيارة نسير في أحد شوارع دمشق الفسيحة، وكان من عادتي منذ ذلك الوقت ربط حزام الأمان، كما علمتنا ''أرامكو''. فبينما كنت أنتظر فتح إشارة المرور عند أحد تقاطعات الطرق، نظر إلي مواطن سوري، كان يسير على الرصيف، ولاحظ أنني رابط حزام المقعد. فقال لي بصوت مسموع وبلهجة سورية مفخمة : ''ها خيُّوه، بتطير؟'' أنا بطبيعة الحال فهمت قصده. ربط الحزام في ذلك الوقت لم يكن مألوفًا ولا منتشرًا ولا حتى معروفًا عند عامة الشعوب العربية. وربما أن أغلبية السيارات في تلك الحقبة من الزمن لم تكن مجهزة بأحزمة السلامة.
أنا رددت على الرجل مازحًا، وقلت له نعم، أنا رابط الحزام ''خوفًا '' من أن أطير! ولا أظن أنه فهم أو استوعب المعنى الذي كنت أقصده، وهو أن الراكب الذي لا يتقيد بربط الحزام ربما يتعرض للانفصال عن السيارة سواء عن طريق الباب أو من خلال الزجاج الأمامي في حالة الاصطدام أو الانقلاب - لا قدر الله.
مضى 40 عامًا على تلك الحادثة الطريفة، ولا يزال الكثير من المواطنين هنا في المملكة لديهم العقلية والسلبية نفسها تجاه أهمية ربط حزام الأمان. ومن غير المقبول أن نعزو هذا الشعور السلبي تجاه ربط الحزام إلى غياب الوعي بين أفراد المجتمع وقد وصلنا إلى مراحل متقدمة في التعليم. فبلد تنتشر في ربوعه عشرات الجامعات ومئات المعاهد والمرافق التعليمية ولدى الأغلبية العظمى من المواطنين اتصال مباشر مع البلدان المتقدمة، لا يمكن أن نصنفهم من ضمن مراتب الأمم الجاهلة. وإذًا، فلا بد من أن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا بارزًا في حياتنا وتؤثر تأثيرًا مباشرًا في سلوكنا. فانتقالنا المفاجئ والسريع من حال المجتمع المتأخر علميًّا واقتصاديًّا إلى عالم الغِنى والرفاهية ربما لم يعطنا الفرصة الكافية من أجل التأقلم والتكيف مع الظروف المعيشية الجديدة وطرق الحياة المنظَّمَة والابتعاد عن الفوضوية والتصرف الفردي.
ومع أننا نلوم الجهات الرسمية، مثل مسؤولي المرور، على عدم اهتمامهم بما يجري على مسطَّحات طرقنا الرئيسة من كثرة الحوادث الشنيعة، التي غالبًا ما تُخلف موتى وإصابات بالغة يؤدي بعضها إلى الإعاقة الدائمة - الله يحفظ الجميع. فلم نر تفعيل إجراءات صارمة ولا إصرارا على ضرورة ربط الأحزمة، التي من الأفضل أن نطلق عليها اسم ''صمام الأمان''. وهذا لا يكلفهم أكثر من المراقبة والمتابعة، لكنه في الوقت نفسه، يتطلب وجود رجال مرور لديهم الخبرة والكفاءة في مثل هذه المهمات الجوهرية التي تتعلق بالحفاظ على أرواح المواطنين. وأنا أدعو المرور إلى اختيار أي منطقة في المملكة وتطبيق نظام ربط الأحزمة فيها بكل جدية وعدم التهاون مع أي إنسان مهما كان مركزه أوصفته الاجتماعية. وأن يشمل جميع ركاب السيارة وليس فقط السائق. وبعد ستة أشهر من بدء التنفيذ يقارنون النتائج مع ما شاهدوه من عمليات ''ساهر'' فيما يتعلق بشدة إصابات الحوادث المرورية. وسيجدون أن فوائد ربط الحزام تفوق بكثير ما حققه ساهر، الذي هو بذاته مُكلِف ماليًّا ونشاطه يقتصر على محيطه ولحظة وجوده.
ونود أن نذكِّر المواطن الذي يتابع أخبار الحوادث المرورية التي تُنشر في الصحف اليومية. فنقرأ أحيانًا عن حالات يذكر المحرر فيها أن السائق وربما المرافقون نجوا من الحادث الفظيع بأعجوبة. أنا تتبعت إحدى تلك الحالات، ولم يخب ظني، فقد علمت أن الذي نجا - بإذن الله - كان رابطًا حزام الأمان. لكن المحرر لم يكلف نفسه بالبحث عن سبب نجاة منْ كانوا ضمن ركاب المركبة خلال وقوع الحادث، من أجل أن يشيع أهمية ربط الحزام. ولعل البعض يذكرون أيضا كيف أن شائعة انتشرت بين المواطنين منذ أكثر من 15 عامًا، تنبِّه إلى أن المرور سيفرض غرامات مالية على قائدي المركبات الذين لا يتقيدون بربط الحزام. فكنا فعلاً نشاهد آنذاك أعدادًا كبيرة من المواطنين يربطون حزام الأمان أثناء قيادة السيارات خوفًا من الغرامة. لكن مسؤولي المرور، هداهم الله، لم تُعجبهم تلك الشائعة ''النافعة''. فسارعوا - الله يحفظهم - إلى نفيها وقالوا صراحة إنه لا نية لديهم في فرض غرامات جديدة. وعادت الأمور إلى سابق عهدها، لا ربط ولا خوف من غرامة. وما كان عليهم لو سكتوا وفوضوا أمر المواطنين إلى الله؟ ورب شائعة خير وأجدى من حقيقة!
وفي الواقع أنك لا تجد اليوم دولة واحدة لديها النزر اليسير من التقدم العلمي وقسطٍ من الحضارة العصرية إلا ولديها نُظُم إجبارية صارمة تحكم استخدام ربط أحزمة المقاعد. ومن المفارقات العجيبة، أن مواطني السعودية عند وجودهم على أرض أي من تلك الدول، تلاحظ أنهم أول منْ يتقيد بنظم ربط الحزام. هل هو عن قناعة أم خوف من العقاب؟ الله أعلم. لكننا نؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن وضع السير على طرقنا يستدعي ضرورة ربط الحزام أكثر من أي مكان آخر، نظرًا للممارسات الخاطئة التي نشاهدها على طرقنا، ليس أقلها السرعة الزائدة وعدم الاهتمام بحالة إطارات المركبة والتأكد من وجود الضغط المناسب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي