الاضطرابات في السويد.. والبلدان العربية
مرت على السويد أيام كالحة صعبة تم فيها حرق عشرات السيارات وعدد من المدارس أغلبها في العاصمة ستوكهولم. وشوهت هذه الأحداث سمعة السويد في العالم كنموذج فريد للتسامح والتعايش مع الآخر المختلف دينا أو مذهبا أو لونا أو عرقا.
لقد تتبعت سير الأحداث بتفاصيلها وتريثت في الكتابة لقرائي الكرام خشية إصدار أحكام مسبقة أولا، والوقوع في مصيدة التضخيم الإعلامي ثانيا. وبدءا أقول إن ما حدث من اضطرابات بالقياس السويدي له مدلولات كبيرة ويؤشر إلى خلل كبير في البنية الاجتماعية والاقتصادية السويدية.
بيد أنه لو أردنا فهم ما حدث بطريقة معمقة وموضوعية، علينا وضعه أولا ضمن سياقه، وثانيا مقارنته ومقاربته بمثيله في أماكن أخرى من العالم.
الاضطرابات بدأت بعد قتل شخص سويدي من أصل أجنبي، قيل إنه حاول مهاجمة الشرطة بمدية في يده. وثارت بعض الضواحي التي غالبيتها من المهاجرين. مهاجرون ليس بالمفهوم الشرق أوسطي مثلا لأنهم مواطنون سويديون أغلبهم له جواز سويدي أو إقامة دائمة تمنحه حقوق المواطنة الكاملة.
نسبة المهاجرين في السويد ازدادت أخيرا ووصلت إلى نحو 15 في المائة من مجموع سكان يبلغ تعداده تسعة ملايين. هؤلاء قدموا من شتى بلدان العالم وفيهم نسبة كبيرة - أكثر من نصف مليون - من المسلمين.
في كل هذه الاضطرابات التي لم يسبق لها مثيل في السويد - إن استثنينا القتيل قبل الأحداث - لم تقتل الشرطة أي شخص ولم تجرح عمدا أي شخص. ألقت القبض على بعض الأشخاص وأودعتهم السجن وأطلق سراحهم لحين المحاكمة.
وهذا ليس بين القصيد. ما أرمي إليه هو أن الخطاب الإعلامي والرسمي الذي رافق هذه الاضطرابات - رغم الحرية التي لا مثيل لها للصحافة والإعلام - اتسم بالمسؤولية الأخلاقية تجاه السويد كوطن وأمة وشعب واحد.
لم ألاحظ من خلال قراءتي لعناوين الصحف أو متابعتي لقنوات الإذاعة والتلفزيون، كأن الشعب منقسم بين مهاجرين وغيرهم، أو بين مسلمين أو غيرهم، أو بين أصحاب العيون الزرقاء أو غيرهم.
لم ألاحظ ذكرا للدين أو المذهب أو العرق. كان المسؤولون والإعلاميون يشيرون إلى الأحداث من منطلق وطني ويبعدونها عن طابعها الديني أو المذهبي أو العرقي.
واليوم الذي وقعت فيه هذه الاضطرابات بدأت كل وسائل الإعلام المهمة بحوار مع الآخر. والأحداث كانت على أشدها والتلفزيون السويدي يبث مناظرات ومناقشات بين جميع أطياف الشعب السويدي، والكل يدلي بدلوه بحرية ومسؤولية أخلاقية كي لا يمنح الاضطرابات أي طابع ديني أو مذهبي أو عرقي. بمعنى آخر وعكس ما يحدث في مناطق أخرى من العالم الغربي تم إبعاد الدين كعامل في هذه الاضطرابات، ووضع الكل أمام أعينهم أن أفضل تعامل معها هو من منظار أخلاقي إنساني. لو كانت هذه الاضطرابات في بلد أوروبي آخر لصار المسلمون مثلا أو المختلفون لونا وعرقا هدفا ليس للهجوم الإعلامي، بل ربما للاضطهاد.
نعم كانت هناك فوضى في بعض الأحياء ولكن عملت الحكومة وساندها الإعلام كي تبقى ضمن نطاقها الدنيوي والإداري، وإبعاد شبح الخلاف الديني أو الطائفي أو المذهبي أو العرقي، عنها وإخراجها من حكم المطلق بالاستناد إلى نصوص مقدسة أو موروث تاريخي لا يوائم الواقع اليوم كما يحدث في الشرق الأوسط مثلا.
ألا تصل الصراعات والاضطرابات في بعض الدول العربية حد الوحشية التي تُقترف في كثير من الأحيان باسم الدين أو المذهب أو انطلاقا من تفسيرات مطلقة وليس نسبية أو وسطية أو واقعية للنصوص المقدسة أو غيرها؟ ألا تنطلق هذه الاضطرابات التي يؤججها الإعلام استنادا إلى الخلافات المذهبية التاريخية وليس إلى الواقع الاجتماعي للزمن الحاضر؟
وقع الفوضى الخانقة التي تمر بها كثير من الدول العربية يتسارع على أنغام الخطاب المذهبي والطائفي، حيث تم توظيف الدين والمذهب والطائفة لتحقيق مآرب خاصة. والبعض ومن ضمنها قنوات إعلامية كبيرة لا يكتفي بالتقسيم التقليدي بين الشيعي والسني، بل يطرح ويضيف ويضرب ويقسم السنة والشيعة إلى فئات مختلفة: فهناك التكفيري والسلفي والعلوي والنصيري وهلم جرا.
السويد البلد العلماني رقم واحد في العالم حيث الغالبية الساحقة من شعبه وثنية بمفهوم الديانات السماوية أبعد شبح الدين والمذهبية أو العرق عن الاضطرابات التي هزت كيانه، لأنه يدرك أن أخطر شيء على أي شعب في الدنيا يقع عندما تصبح المنطلقات الدينية والمذهبية أو العرقية غاية له.
هل يدرك العرب مدى خطورة الفوضى الحالية في صفوفهم؟ ألا يدركون أن أخطر الفواجع التي حلت بالبشرية وأطولها زمنا كان سببها الرئيسي الفرز أو الاصطفاف الديني أو الطائفي أو المذهبي، ولا سيما عندما يحمّل الموروث التاريخي والنصوص المقدسة فوق طاقتها، ويصبح التفسير البشري المطلق لها منطلقا للحاضر والمستقبل؟