الصيف والطاقة الكهربائية وسلوك الإسراف
أقر المجلس الوزاري العربي للكهرباء الحادي والعشرين من أيار (مايو) لكل عام يوما عربيا لكفاءة الطاقة، بهدف نشر التوعية اللازمة بشأن الكهرباء وضرورة المحافظة عليها والاقتصاد في استهلاكها، وسبق لي ولغيري من الكتاب تناول موضوع الطاقة، نظرا لما يلاحظ من إسراف قد لا يكون متعمدا بهدف الإسراف، لكن إما لجهل بقيمة الطاقة وعدم معرفة تكلفة إنتاجها، أو لغياب الوعي بدور كل واحد في شأن المحافظة عليها، إذ إن المهمة ليست محصورة في الجهات الرسمية كالجهات المنتجة للطاقة، بل إن الجميع يتحملون المسؤولية. وما لفت نظري في تصريح لوزير المياه والكهرباء إشارته إلى أن استهلاك المملكة من الكهرباء يعادل استهلاك 12 دولة عربية، وما من شك أن هذه المعلومة مخيفة وتدل على سلوك استهلاكي جشع وغير مبالٍ، وهذه نذير ومؤشر خطر يستدعي منا المراجعة والتوقف عند هذا الأمر، نظرا لخطورته على المدى البعيد إذ لا يمكن الاستمرار في هذا الوضع والسماح به لخطورة إيجاد جيل يستمرئ الإسراف واللامبالاة في الموارد الوطنية.
كيف نحد من الاستهلاك المسرف الذي يؤثر سلباً في الاقتصاد، فما نحرقه ونستهلكه من طاقة لن يعود ولن نجده رصيدا نرجع إليه فيما لو احتجناه في يوم من الأيام؟ التوعية مهمة لكنها قد لا تحدث أثرا واضحا ومستمرا، خاصة مع من عاشوا فترة من العمر مستمرئين سلوك الإسراف، فمثل هؤلاء يعيشون لحظتهم، وربما لا يفكرون في المستقبل، وربما لديهم من الأموال ما يشعرهم بأنهم في مأمن من عدم الحرمان من الطاقة في كل الحالات والظروف، لذا فموضوع السلوك الإسرافي سواء في الكهرباء، أو الماء أو غيرهما يفترض أن توجه الجهود نحوه من خلال محاضن التربية ممثلة في المدارس، والمنازل، والمنابر، والإعلام، خاصة البرامج الخاصة للأطفال.
تشكيل القيم وغرس السلوك المناسب وجد تربويا ونفسيا، إن أسهل وأنجح فترات العمر هي السنين الأولى فيما قبل سن العاشرة. المناهج التعليمية تشكل منطلقاً مهماً إذ يمكن من خلالها وفي معظم المواد بدءا من العلوم الشرعية، والمواد ذات العلاقة بالطاقة كمادة العلوم أو مواد الشعر والأدب، أو حتى الجغرافيا، والتاريخ كل هذه المواد يمكن أن تسهم في توجيه، وترشيد السلوك الاستهلاكي، وبيان خطورته، ولا يقتصر الأمر على الناحية النظرية فقط بل بالتطبيق، والممارسة، فإدراك قيمة الكهرباء، والوعي بذلك لا يتحقق من خلال حزمة نصائح، بل يمكن أن يتم داخل الفصل بصورة عملية بإطفاء جهاز التكييف ولو لمدة خمس دقائق لإعطاء درس عملي يكشف للجميع حالة التذمر وصعوبة الظرف من دون الكهرباء، ومن ثم تعطى الفرصة للطلاب للتفكير في الأساليب والطرق الكفيلة لتوفير الكهرباء، مع إعطاء فرصة لهم برسم خطة على مستوى المنزل أو الحي أو المدينة أو القرية تسهم في توفير الطاقة.
كما أشرت في كل مادة دراسية وفي أي مرحلة سيجد أستاذ المادة مجالا يخدم من خلاله توفير الطاقة من خلال مقال يكتبه الطالب، أو قصيدة تحث على توفير الطاقة، أو من خلال تجربة يحاول فيها الطلاب التفكير في طريق توفير الكهرباء أو من خلال آية أو حديث يحث على عدم الإسراف.
السلوك المرتبط مع أجهزة الطاقة كالمكيفات وتنظيفها يمثل في حد ذاته ثقافة لا بد من توعية الناس به وتذكيرهم به خاصة في مواسم الصيف، وقبله من خلال برامج التلفزيون أو الإذاعة، أو من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، ولو من خلال جملة أو مواقف قصيرة، لكنها معبرة بدلا من الشروحات والكلام الطويل الممل.
أما ما يتعلق بالمصانع والورش وأماكن العمل الرسمية وغيرها فأعتقد أن الإجراءات التنظيمية الحازمة هي ما يمكن أن يحد من السلوك الاستهلاكي، خاصة إذا علمنا أن العاملين في هذه المواقع ليسوا في الغالب ملاكا، لكنهم عاملون، لذا قد لا يعني توفير الطاقة لهم شيئا.