إغلاق المطاعم والمخابز و«ثقافة الحملات»
يُعاني معظم الناس من تدني مستوى النظافة وانخفاض الخدمة المقدمة في المطاعم وربما تسمم الغذاء، ليس ذلك فقط بل يمتد الأمر إلى المخابز وحتى المحال التجارية ''البقالات'' وغيرها. وفوق هذا وذاك، يزدحم سوق الخضار بمنتوجات قد لا تصلح للاستهلاك الآدمي لتلوثها بالمبيدات. وفي الوقت نفسه، يُرخص لمطاعم ومقاه ومحال تجارية دون وجود المتطلبات الضرورية كتوافر دورات مياه أو المواقف ونحوها. هذه الأمور ليست سراً، ولا تخفى على الناس، بل يتحدث بها الناس في مجالسهم بشكل يومي ويكتبون عنها في مواقع التواصل الاجتماعي. ولا أعتقد أنها تخفى على المسؤولين، وإلا سيُقال: إنهم يعيشون في كوكب آخر!
بين الحين والآخر نقرأ عن حالات تسمم هنا وهناك، ونرى صوراً مقززة على شبكة الإنترنت عن العاملين الذين يعانون من جروح في أيديهم أو مصابين بسعال والتهابات في الجهاز التنفسي أثناء ممارسة العمل، دون التفكير في انقطاع مؤقت عن العمل، إما لعدم وعيهم بخطورة الأمر أو عدم اهتمام صاحب العمل! ويقول المثل: ''من أمن العقوبة أساء الأدب''! فكيف لا يحدث كل هذا وأكثر، ما دامت الرقابة ضعيفة والعقوبات الرادعة غير مطبقة، خاصة أن الأمر لا يحتاج إلى أعداد كبيرة للمراقبة والمتابعة ولا يتطلب ''خبراء'' في الغذاء والدواء لتطبيق معايير النظافة وحفظ الغذاء والتعامل معه.
أعتقد أن المشكلة تكمن في ضعف الإخلاص في العمل وعدم الوعي بأهميته وخطورته، فإما أن يكون هناك مجموعة من الموظفين والمراقبين الصحيين لم يستوعبوا أهمية العمل الذي كُلفوا به، أو أنهم لا يمتلكون الصلاحية لتطبيق الأنظمة، أو أنهم تركوا الحبل على الغارب لأسبابهم الشخصية.
معظم الأمور - مع الأسف - تُدار بثقافة أو ''عقلية الحملات''، فهناك يوم البيئة ويوم الشجرة ويوم المرور، هكذا هي الحال! حملات تُنفذ خلال فترة معينة ثم ''تعود المياه إلى مجاريها'' ويعود الفساد والتجاوزات كما كانت! والسؤال الذي يبرز في الأذهان، لماذا الانتظار حتى يكون هناك 380 مطعماً و147 مخبزاً تستحق الإغلاق المؤقت؟! ولماذا لا يُغلق المحل أو المطعم المخالف بشكل تلقائي دون وجود هذا الاستنفار، ولماذا تنتظر الأجهزة الرقابية من يحركها من الخارج؟ وما أسباب إهمال الأمور حتى تتفاقم المشكلات؟!
أعتقد أن المسألة ربما تكون لها جذور ''ثقافية'' تحتاج إلى إصلاح جذري، فلم يُعالج الفقر حتى تفاقمت المشكلة وأصبحت نسبة الفقراء تتجاوز 20 في المائة من إجمالي الأسر، ولم يُلتفت إلى البطالة حتى تجاوزت معدلات البطالة 12 في المائة لإجمالي القوى العاملة السعودية و30 في المائة بين الإناث في بلد يستقدم العمالة الأجنبية، ولم يُنظر في مشكلة الإسكان حتى وصلت معاناة الأسر حداً لا يُطاق!
ومن هذا المنطلق، أرجو ألا ننتظر حدوث كارثة تحرك وزارة الصحة لتحسين مستوى خدمات المراكز الصحية والمستشفيات! وأدعو الله ألا يحدث مكروه حتى تتحرك الجهات الرقابية للتعامل بجدية مع زراعة الخضار الملوثة التي تدار من قبل عمالة وافدة لا يتوافر لديها الحد الأدنى من الخبرة في التعامل مع المبيدات الزراعية! وأتمنى ألا يحدث تسمم أو أضرار صحية حتى يُلتفت للصيدليات التي أصبحت تنافس البقالات دون رقابة على اشتراطات حفظ الدواء! وأدعو الله أن يتحرك المسؤولون لمراقبة الخدمات المقدمة في ''محطات الوقود'' على طرقنا السريعة حتى نستمتع بالسفر في أرجاء وطننا الغالي دون عناء ومشقة، ودون أن نضطر إلى نقل أدوات المطبخ أينما رحلنا!