رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الإدارة المحلية.. خط الدفاع الأول

الحقيقة التي يجب علينا إدراكها أن المجتمعات المحلية مكان الفعل الاجتماعي، وفيها ومنها تنشأ الأحداث وليس في أي مكان آخر، وهذا ما يجعلها على درجة كبيرة من الأهمية، خاصة في ظل التغيرات السريعة والتحديات الكبيرة التي يواجهها المجتمع. إلا أن الإشكالية تكمن في سيطرة النهج المركزي الشديد واتباع التنظيم البيروقراطي الذي يقلل من القدرات المحلية في الاستجابة للمستجدات والتعامل معها بكفاءة وفاعلية. فما زال يتلبسنا وهم أن المركزية الشديدة والإجراءات البيروقراطية هي الأسلوب الأمثل للضبط الاجتماعي، والوسيلة الأفضل والأكفأ لتقديم الخدمات التنموية. وهو أمر يدعو للمراجعة والتفكير العميق والنظر للأمور من زاوية أكثر واقعية وعملية ومنطقية. فاللامركزية أحد أساليب الرقابة والتحكم والسيطرة، لأنها تقلل من نطاق الإشراف وتحدد المسؤولية في أعضاء المجالس المحلية سواء كان ذلك على مستوى المنطقة أو المحافظة، بدلا من التعامل مع 27 مليون نسمة! كما أن تلك المجالس أداة فاعلة في تحقيق التنمية المحلية إذا ما منحت الصلاحيات الإدارية والمالية اللازمة لذلك، وهي في الوقت ذاته تكون مساءلة ومحاسبة من قبل الناس على الأداء، ما يحول دون تصعيد الأمور صغيرها وكبيرها للأجهزة المركزية، وتحميل الجهات العليا تلك المسؤولية أو أي إخفاق. ولضمان فاعلية المجالس المحلية وتأثيرها التنموي، يلزم أن تكون منتخبة لتمثل المجتمع المحلي وتستجيب لمتطلباته، وهو ما يتطلب بالضرورة أن تكون تلك المجالس مسؤولة عن إدارة الشأن المحلي بجميع قطاعاته ووضع السياسات والتشريعات المحلية والرؤية والخطط المستقبلية للمجتمع المحلي. بهذا الترتيب الإداري المحلي نجعل المجتمعات المحلية أكثر مسؤولية عما يدور في نطاقها المكاني المحلي، وتتحمل تبعات قراراتها. إن غياب مجالس محلية فاعلة ممثلة للسكان المحليين ومؤثرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية، يجعل من الصعب ضبط الحالة المحلية بسبب ضبابية تحديد المسؤولية، وانعدام إطار مؤسسي يوحد مرجعية الإدارات المحلية، ويمكن من خلاله تحديد المسؤولية ومحاسبة المقصرين بإجراءات واضحة وشفافة ومتفق عليها. فالمجالس المحلية القناة التي من خلالها يتم التعرف على متطلبات سكان المناطق والمحافظات، وهي أيضا نقطة الاتصال الضرورية لتوجيههم وإدارتهم وضبطهم. هذا الإطار المؤسسي المحلي يسهم في تجسيد وتعزيز اللحمة الوطنية ويجعلها أكثر وضوحا، ويتيح الفرصة للمواطنين للمساهمة في التنمية المحلية والحفاظ على المقدرات والمكتسبات الوطنية، ولعب دور أكثر فاعلية وتأثيرا إيجابيا في أمن واستقرار الوطن داخل أحيائهم السكنية والوحدة الأساسية للمجتمع المحلي.
لم يعد ممكنا اقتصاديا واجتماعيا وعلى الأخص أمنيا الاستمرار على نهج المركزية في إدارة المجتمعات المحلية، لأن الحالة الأمنية بطبيعتها محلية ومتشعبة ومتعددة الأسباب وتتداخل فيها أطراف عدة، وإذا كان كذلك، فلا بد من إيجاد إدارات محلية تستطيع التعامل مع تلك المشكلات التي تتصف بالتعقيد وتتطلب حلولاً محلية واستجابة فورية لوأدها في مهدها قبل أن تستفحل وتكبر وتتحول إلى مشكلة وطنية. والتفاوت والاختلاف الثقافي والاقتصادي بين المحليات يحتم حلولا محلية، فليس هناك نمط تنموي واحد يناسب جميع المجتمعات. لقد حان الوقت للاعتراف بأن المجتمعات المحلية أصبحت أكثر نضجاً ودراية وقدرة على تحمل مسؤولية إدارة شؤونها، ولا بد من استباق الأحداث وصياغة نظام للإدارة المحلية يتناسب مع المعطيات على الساحة الوطنية بدلاً من تنظيمات ومرجعيات إدارية متعددة تفتقد التنسيق ولا تمنح المجالس المحلية أدوارا حقيقية فاعلة. إن التغيرات الحضرية وتطورات تقنيات الاتصال المتسارعة وارتفاع سقف التوقعات وتحديات البطالة جميعها تتطلب أساليب إدارية جديدة، ليس في دائرة تطوير البيروقراطيات وجعلها أكثر كفاءة كجهات تنفيذية، إنما من دائرة الإصلاح الإداري بمفهومه العميق بالنظر إلى الإطار العام لصناعة القرار الحكومي أفقياً بفصل سلطتي التشريع والتنفيذ، وعمودياً بتطبيق نهج اللامركزية. إن ذلك أدعى إلى الاقتراب من المواطن والاستجابة لمتطلباته كماً ونوعاً وجودةً، فتقديم الخدمة بحسبما يراه بيروقراطي على بعد آلاف الكيلومترات شيء، وأن تقدم الخدمة حسبما يطلبه المواطن ويلبي احتياجاته شيء آخر. وهذا أمر يلزم التنبه له إذا ما أريد للإنفاق الحكومي أن يكون أكثر كفاءة وفاعلية وأدعى لتحقيق مقاصد وتطلعات القيادة العليا.
الإدارة المحلية ليست أمراً شكلياً، بل مطلب أساسي لمواجهة التحديات التي قد تبدو في الأفق البعيد صغيرة، لكنها في حقيقة الأمر كبيرة وتتطلب الاستعداد لها ومواجهتها بخطة استباقية، تعتمد في جوهرها على تمكين المجتمعات المحلية من القيام بأدوار حقيقية فاعلة وليست شكلية روتينية ورقية! إن الإدارة المحلية تعني من الناحية العملية أن الجميع مسؤول عن أمن واستقرار وازدهار الوطن، وأن المواطن الصالح لا يمكن أن يبقى متفرجاً يعيش على هامش الأحداث، مسلوب الإرادة، سلبي السلوك، إنما يفترض أن يتفاعل بإيجابية مع ما يدور حوله. وهذا يدفع نحو مستوى عال من نضج المواطنة تقود نحو حالة من الانسجام والتفاهم والترابط والتعاون والتكامل بين المواطن والجهات الرسمية، وهو ما يعزز المصلحة الوطنية ويزيد من قوة المجتمع وتماسكه. هذه اللحمة الوطنية خط الدفاع الأول ضد المتربصين بالوطن الذين يحاولون اختراق وحدتنا وزعزعة أمننا واستقرارنا. إن أعداء الخارج وأذنابهم في الداخل لن يتمكنوا - بإذن الله - من أعمالهم الإجرامية التخريبية، خاصة إذا ما عملنا على تطوير الإدارة المحلية وجعلنا المواطنين والمسؤولين المحليين في حالة يقظة ووعي بأدوارهم ومسؤولياتهم الوطنية. إن المطلوب هو تطوير نظام للإدارة المحلية يرتقي بالعمل الإداري الحكومي ويسهم في إدارة الاختلاف وتوحيد الصف وإسهام مكونات المجتمعات المحلية في التنمية. لم تعد التنظيمات البيروقراطية المتعددة والمتشرذمة تصلح، بل ربما غير قادرة في ظل التغيرات الحضرية والسكانية والثقافية على الإيفاء باحتياجات المجتمعات المحلية الاقتصادية والأمنية. إن أفضل وأهم ما تقدمه المجالس المحلية هو جعل المجتمعات المحلية تحت دائرة الضوء لتفوت الفرصة على أولئك الخونة المارقين الذين باعوا أنفسهم للشيطان، أن يفسدوا اجتماعنا وأن يعملوا في الخفاء ويستغلوا حالة ضبابية إدارة المجتمعات المحلية لتنفيذ مخططاتهم وأجندة أعداء الوطن. من أجل ذلك كانت الدعوة لتطوير الإدارة المحلية... خط الدفاع الأول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي