رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أوروبا ترجع إلى الدِّين ولكن بحلة مختلفة

هناك عودة ظاهرة إلى الدِّين في أوروبا، ولكن هذه العودة ليست تقليدية أو مذهبية أو طائفية. تتجنب هذه العودة التقليد وتكسو الدِّين حلة جديدة تخرجه من السيطرة المؤسساتية لرجال الدِّين وتضعه مباشرة في خدمة الفرد والصراع الذي يخوضه في خضم عالم يختلف جوهريا عن فترة نشوء الأديان ومنها السماوية.
الأديان أفكار وممارسات ونصوص يحتاج إليها الإنسان لأن هناك أسئلة حيوية عن سر الكون ووجوده على هذه الأرض من الولادة إلى الممات وما بعدها، لا يزال غير قادر على تفسيرها منطقيا - من خلال إدراكه العقلي - رغم التطور الهائل الذي طرأ على كل مناحي الحياة الإنسانية في العصر الحديث.
والأديان الكبرى التي أتباعها بالملايين أو مئات الملايين يشبهها بعض الفلاسفة والمفكرين بالكائن الحي الذي عليه الاستجابة لمتطلبات الزمان والمكان وإلا تقوقع وربما اندثر.
والدِّين يدرس اليوم كمادة منهجية في أغلبية الجامعات الأوروبية الرصينة، وفي جامعاتنا قسم يهتم بالدراسات الدِّينية، وتحتل المسيحية والإسلام واليهودية والبوذية والهندوسية وغيرها من الأديان مكانا بارزا في برامجه.
وظهرت أخيرا كتب ودراسات حديثة في أوروبا تتناول هذا الشأن ليس من منطلق التديُّن - أغلبية أساتذة الدِّين كمادة علمية ومنهجية غير متدينين - بل من منطلق علمي أكاديمي بحت.
والدراسة المنهجية للدِّين علم قائم بذاته، وما شدني أخيرا ظهور كتب ودراسات رصينة تتناول الدِّين من وجهة نقدية تاريخية تقارن وتقارب بين الأديان الرئيسة في العالم، وللإسلام حصة كبيرة فيه.
ومن حسن حظنا نحن المهتمون بشأن الحضارة العربية والإسلامية والمتشبعون بها، وجود علماء أكاديميين مسلمين في كثير من الجامعات الأوروبية الكبرى، وهم لدينهم وإسلامهم حافظون ولكنهم يرون دنيا الإسلام من وجهة عصرية منفتحة، أسسها التسامح والتعايش مع مجتمعات متحضرة ومتطورة متعددة الثقافات والأفكار والأديان.
وهؤلاء يرون أن الدِّين يستجيب لمتطلبات الحياة، وأن المسلم في أوروبا مثلا باستطاعته الالتزام بدينه وممارسته ضمن مجتمع مدني علماني تقوده الأخلاق الإنسانية العصرية وليس الأخلاق الدينية.
وعلماء الأديان يرون أن كل دِين يغير رأيه - أي تفسيره لنصوصه - باختلاف الزمان والمكان سلبا أو إيجابا. فتقرأ في الدراسات الحديثة مثلا كيف أن الفنون الإسلامية في سابق الزمان كان فيها مكان لصور الأنبياء، واليوم مثلا صور كهذه تثير مشاكل كبيرة.
والعلماء والأساتذة المسلمون في أوروبا - والحمد لله - منفتحون على الثقافات والأديان ويطورون نماذج حياة وسلوك وسير يومية ويشتغلون بالنصوص المقدسة ويخرجونها بحلة جديدة كي يصبح بإمكان المسلم ممارسة جوهر دِينه وترك القشور في عالم متحضر ومتمدن وفي مجتمعات فائقة التطور.
وانبهرت حقا عند قراءتي لعالم مسلم في إحدى كبريات الجامعات البريطانية يقدم نموذجا عصريا لعلاقة الزوج مع زوجته، حيث لا يجوز في أوروبا ضرب الزوجات مهما كانت الأعذار، وفي دول مثل السويد مثلا يعد ذلك جريمة كبرى. قال هذا العالم إن المسلم يجب ألا يضرب زوجته أبدا، وإن فعل فهو يسيء إلى إسلامه، رغم وجود نصوص قد يبدو أنها تجيز ذلك.
غالبية المسلمين في أوروبا متأثرون بعلماء وأكاديميين مسلمين وليسوا شيوخا أو دعاة. وهؤلاء العلماء بدأوا يتركون بصماتهم على ظهور إسلام وسطي منفتح متسامح باستطاعته العيش والازدهار في مجتمع مختلف عنه تماما.
وهكذا لا تندهش، عزيزي القارئ، أن ترى الإسلام من الأديان التي يدخلها كثير من الأوروبيين اليوم، ليس تقليدا ولا تأثيرا أبدا بما يحدث في الشرق الأوسط من صراع مذهبي متعصب مقيت ومرير مسيء للإسلام يؤججه بعض رجال الدِّين من المسلمين، بل تأثرا بعلماء وأساتذة أكاديميين مسلمين يقدمون نموذجا يستجيب لكثير من الأسئلة الوجودية والحياتية التي لا نملك جوابا شافيا لها ونحن نبحر على ظهر كوكب صغير يدور في فلك كون لا نهاية له.
وللموضوع صلة،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي