اشتراطات السلامة والبيئة تدعم القطاع الصناعي

الأسبوع الماضي قادتني ظروف العمل للسفر إلى مدينة شتوتجارت الألمانية ومنها إلى منطقة الغابة السوداء (البلاك فورست)، واجتزنا المنحدرات الخفيفة والمروج الخضراء عبر شارع ضيق وبسرعة محددة، وهي منطقة تعتبر من أجمل المناطق التي حظاها الله بالطبيعة الخارقة والجاذبة أو الساحرة بكل ما تعنيه الكلمة، وفيها شلالات متدفقة وبحيرات زرقاء صافية رائعة الجمال. وخلال رحلتنا سألت أحد الأشخاص المرافقين معي عما تمتاز به هذه المنطقة، غير طبيعتها الجميلة التي يصعب وصفها، فأجابني بأن هذه المنطقة كانت تشتهر في السابق بصناعة أجزاء الساعات التي تتطلب عادة دقة وحرفية، ومع التنافس الكبير وانخفاض الدخل تحولت المنطقة للتخصص في تصنيع مكائن ''المولدينج'' ذات التقنية العالية المصنوعة من الحديد والألمنيوم بأنواعه التي تدخل في صناعة المنتجات القائمة على الصناعات البتروكيماوية بكل أنواعها وتوابعها، حيث تتوزع جميع تلك المصانع التي جميع حوائطها الخارجية من الزجاج، بين القرى، وتوظف أهلها ويعيشون منها، أي أنهم يعتمدون عليها في حياتهم.
وعندما التقيت مسؤولي المصنع الذي استهدفت زيارته، وبعد انتهاء التعرف والنقاش بادرت بسؤالهم عن المصنع ومتى بدأ الإنتاج في هذا الموقع؟ فأجابوا منذ أكثر من 47 عاما، لكن تمت خلال تلك الفترة إعادة بناء وتجديد معظم أجزاء المصنع، مع الالتزام بكل متطلبات السلامة والبيئة التي تتطور لتواكب المستجدات في هذا المجال، حيث نقوم بتطويرها في منشآتنا حماية لقرانا وموظفينا، فسألتهم: ألم تطلب منكم أي جهة الانتقال من موقعكم لموقع خارج القرى، خصوصا أن المساكن قريبة جدا، بل محاطة بمصانع أخرى وربما يكون هناك تأثير بيئي من وجود تلك المصانع؟ فأجابوا: ''ما دمنا ملتزمين باشتراطات البيئة والسلامة فلا يمكن أن يحدث ذلك''.
بعد هذه الإجابات من مسؤولي المصنع الذين زرتهم، بادر خيالي بالتحليق عاليا فيما يعانيه ملاك ومستثمرو القطاع الصناعي وغيرهم، جراء صدور قرارات تلزمهم بالنقل، دون الأخذ في الاعتبار استثماراتهم أو موظفيهم، ومن يعوضهم عن الوقت والمال والمخاطرة، وكأننا في كون آخر، نمنا واستيقظنا على خراب يجب استئصاله.
ما أود أن أراه ليس كمستثمر صناعي، بل كمواطن، أن تواكب شروط السلامة والبيئة آخر التطورات العالمية التي تحمي البشر والمكان، وأن يتم تطبيقها بكل شفافية، أما فيما يخص الاستثمار الصناعي فلا بد أن تسند مهمة إعداد وإقرار شروط البيئة والسلامة لوزارة التجارة والصناعة بصفتها المرجعية للقطاع الصناعي، حيث تعمل على التنسيق وأخذ آراء الجهات الأخرى ذات العلاقة كافة، ويكون لديها جهاز يمنح التراخيص وتجديدها ورقابتها ضمن أفضل الممارسات، وتتطور تلك الشروط بما يتواكب مع المستجدات التي تهدف لحماية مواطنينا ومنشآتنا وبيئتنا، وفي الوقت نفسه تخلق ديمومة محفزة للبيئة الاستثمارية، ولا ينغصها صدور قرار بنقل المصانع من دون إعطائها الفرصة لإبداء رأيها أو مطالبتها بتنفيذ وتحسين شروط السلامة والبيئة، أو تطويرها لتواكب كل متطلبات الحفاظ على الإنسان والمكان.. بمعنى آخر أنه لا بد علينا التفكير جديا في وضع آلية معينة تسمح بوجود المصانع على مختلف تخصصاتها في المدن والمحافظات، مع وجود قوانين وأنظمة سلامة بيئية صارمة، تؤدي إلى إغلاق تلك المصانع عند عدم التقيد بهذه الأنظمة، الأمر الذي سيسمح بدوره بتوسع النشاط الصناعي، ويفتح العديد من الفرص الوظيفية أمام أبناء تلك المدن والمحافظات، خصوصا الصغيرة منها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي