رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ما ينبغي تغييره وتبديله (1)

الأسوأ من السيئ هو أن يستمر، فالموجع من كل مرض هو طول بقائه. وإن بعض ''الأنظمة'' كالملابس التي تخطى الجسد مقاسها، حين يرتديها تزريه أو تؤذيه. النظام، والفكرة، والرؤية البشرية دائما لها فرع وأصل، لها حكم ثابت، وموضوع متحرك، ومتبدل، ومتغير. وهذا يفرض بحكم الضرورة وجوب -المراجعة- وإعادة التقييم. لكثير من النظم كل فترة ضيقة من الزمن، لا ينبغي أن تزيد على خمس سنوات في أي حال.
التأخير في التغيير للأفضل ينشأ عنه تضييع الكثير من الحقوق، والكثير من المصالح. والكثير من الإعاقة لعجلة التنمية، ورفاهية المجتمع. فكم من أسرة فقيرة ضاع التعويض الملائم، بسبب التأخير الفاحش في تعديل قيمة دية القتل الخطأ، ظلت لا تبرح مكانها ''100 ألف ريال سعودي فقط لا غير''، وغيرت وكأننا لهذا التغيير كارهون. وما كدنا نفعل. وهي بعد التغيير ما زالت عاجزة، وضعيفة، وغير كافية لتأمين مستقبل أسرة غاب كافلها وراعيها. بعد الله -سبحانه وتعالى- في مجتمع تشح فيه صور التكافل الاجتماعي في ضمور يزداد!
تمنيت أن ينظر إلى -الدية- بمفهوم موضوعي أكثر مرونة من القالب الثابت، والأصل المقيد للقاضي -من الحركة فيه ذاك لكون الدية في كثير –موضوعات- القتل الخطأ.. تقتضي، لسبب صحيح الزيادة على المقدار الثابت. وبذا ينبغي أن يكون للدية منطلق ثابت ''أقل الدية''، ولا يكون لها قدر تبلغه وتقف عنده. يحدد النظام أقلها ولا يقيد ما بعدها، أو يجعل سقفها مبلغا ينهض بالكفاية الحقيقية ''خمسة ملايين''، وبذا يكون للقاضي فرصة الحركة بين أقلها وهو 300 ألف ريال إلى خمسة ملايين ريال. ناظرا لموضوع الحكم بالحاجات الملحة والحقيقية.
- فمن الوجوه الموضوعية المعتبرة لهذا التغيير. أن حوادث الطرق الآن، الموجبة للدية، تدفعها شركات التأمين. وهي شركات ربحية تعاونية أو تجارية، إلا أنها تربح من المجتمع مئات الملايين سنويا، وقد تكون أسرة المتوفى بلا مسكن ولا راتب وظيفي. وربما كان أبناؤه قُصَّرا، فإن كان للقاضي مساحة أوسع للحركة في تقدير العوض وتقدير الدية من حدها الأقل إلى الأكثر بالنظر بين حال المتسبب في الوفاة وحال المتوفى. والملاءة المالية وعدمها، لكان في هذا الكثير من الخير والنفع للمسلمين وللمجتمع. وفيه كفاية ليتم، وستر لحاجة. في قدر غالب وهذه من المواضيع العارضة على الدية بما يستوجب إعادة رفعها إلى نصف مليون ريال. ورفع تقييدها إلى خمسة ملايين.
- وهنا توجد مفارقة غريبة في مفهوم العوض والدية. ففي موارد القتل العمد، تحولت الدماء إلى تجارة مليونية يتسابق الجميع لدعمها والدفع فيها، رغم كونها بدعة ما سبقنا إليها أحد من العالمين. رغم أن القاتل هناك -عامد قاصد- إلا أن الجميع يتقرب إلى الله تعالى بقصد عتق رقبة من القصاص العادل بدفع ملايين. ولا يوجد تحديد مطلقا من وزارة العدل للعوض في هذا. وهذا مستغرب. التقييد هناك بمبلغ يعتبر عاجزا حتى عن شراء أرض فارغة لعائلة المتوفى بالخطأ المحض. والثراء الفاحش العظيم لأسرة من يقتل عمدا وعدم التقييد هنا، والتقييد هناك بالشحيح العاجز من العوض!
- هل نعتبر نحن أن إقامة حد القصاص.. خطأ! يستوجب أن ندفعه بما يكفي، لتعمير الكثير من النفوس المهدومة بالفقر، وشدة العوز، والبحث عن ملاذ! وكفالة الأيتام.. وإحياء الحرث والنسل؟!
- إن ما تم دفعه لرفع تنفيذ حكم الله في القصاص ناهز مليارا ونصف المليار ريال في سنوات قلائل! وهذا رقم مروع! الجميع يعرف مستقره الآن ومستودعه.
- قد نتفهم أن يتم تأمين حياة أيتام المقتول، وأسرته حتى يبلغوا أشدهم، وقد نتفهم أن يتم شراء منزل لهم إن لم يكن عندهم منزل. وقد نتفهم أن تكون المبالغ الكبيرة مشروطة أن تكون للجمعيات الخيرية، وصرفها في موارد البر والإحسان عن الفقيد وأبويه.
وحينئذ ما يطلبه أولياء الدم له وجه قد يجعله مقبولا! أما أن يستخدم دم المقتول جسرا لثراء القبيلة، والوصول إلى السيارات الفارهة من أموال الناس. وعلى حساب المجتمع. فذاك حال لا ينبغي السماح في بقائه والاستمرار فيه.
على الرغم من يقيني بالتحرج من هذا التناول. إلا أن الأمر بات في حاجة إلى شرطين. كفاية مؤونة أبناء المغدور، والتبرع بالباقي في سبيل الله.
إن لم يتم تقييد الدية بحد أعلى لها في القتل العمد، لكي يبطل بدعة المتاجرة بالدم. إن هذا سيغري ضعاف النفوس لخداع المجتمع بالتضحية بنفس بريئة ثم المتاجرة بدمه. كما يحرض على سقوط الصفح لوجه الله تعالى، وستبدأ المزايدات على كل نفس بما هو أكثر من سابقتها، لعقيدة البعض في نفسه أنه وقبيلته أفضل من غيرهم. فإن حاز غيره 50 وجب أن يكون العوض له 100. وهذا هو الذي نعنيه ما خير بخير يكون خاتمته قطع المعروف، ومتاجرة بدم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي