حوكمة الشركات في السعودية.. هل فقدت بريقها؟
عندما نقول إن لائحة حوكمة الشركات في المملكة صدرت كردة فعل رسمية للأحداث المؤسفة، التي تعرضت لها السوق المالية في عام 2006، كان هذا الأمر يغيظ الكثيرين وأولهم مسؤولو هيئة سوق المال لادعائهم بأن اللائحة كانت سابقة في التخطيط والإعداد لأحداث السوق في تلك الفترة، لكن توقيت الظهور توافق مع فترة عانى فيها العديد من المستثمرين من عدالة السوق. أكثر من ست سنوات ولا يزال نظام أو لائحة حوكمة الشركات في المملكة نظاما استرشاديا في جزء كبير من مواده المهمة، هذا في حال التسليم بمثالية وشمولية هذا النظام الاسترشادي المعد من وجهة نظر قانونية.
فكرة هذا المقال تراودني منذ فترة، كمتخصص أرى أن العمر الذي مضى من إعداد لائحة الحوكمة في المملكة إلى الآن يعد زمنا طويلا قياسا بفاعلية التطبيق والممارسة، الأمر الذي أفقد الحوكمة بريقها، الذي بدأت فيه، نتيجة لعدم الوصول إلى الأهداف، التي من أجلها أسست هذه اللائحة، ومن أهمها تحقيق العدالة بين جميع الأطراف، ورفع مستوى الشفافية بين الإدارة والملاك والمستثمرين والمجتمع، تحقيق الفاعلية في أداء وتشغيل الشركات المساهمة.
الحقيقة أن سقف الطموحات من بدء تطبيق اللائحة لم يكن عاليا، فلا نرى أثرا فاعلا لمفهوم وممارسات الحوكمة على قطاع الشركات العائلية أو الشركات المتوسطة والصغيرة، ولا نسمع حتى بوجود محاولات للاستفادة من مدارس الحوكمة العالمية في تطوير النظام الحكومي العام، أو حتى في مؤسسات القطاع الخيري والجهات غير الهادفة لتحقيق الربح.
عندما نسأل عن أسباب ذلك وهل تتحمل هيئة السوق المالية العبء في ذلك بحكم أنها جهة مشرعة ومنظمة للسوق، أقول إن الخلل أكبر من تفعيل دور الهيئة في ذلك، منذ عام 2009 تقريبا لم نسمع بمؤتمر عن الحوكمة في المملكة. دور الجامعات ومراكز البحث المتخصص مغيب أو تائه في أمور بعيدة عن تفعيل ثقافة الحوكمة وزرعها في المجتمع المحيط.
من يتحمل عبء التقصير في ذلك جهات عديدة، تتقدمها وزارة التجارة والجهات التشريعية والتنظيمية التي تأخرت كثيرا في تحديث وإقرار نظام الشركات. الجهات الأكاديمية المتخصصة التي غابت عن تفعيل ثقافة حوكمة الشركات في المجتمع الاستثماري المحلي. الجهات الإعلامية المقروءة والمرئية التي أسهمت في غياب هذا المفهوم وممارساته عن الساحة الإعلامية.
بقي أن نقول إن تطبيقا فاعلا لحوكمة الشركات يستلزم وجود بنية قانونية داعمة ومفعلة، بعيدا عن سياسة التفعيل بالقطارة، التي يتم انتهاجها مع لائحة حوكمة الشركات في القطاع الخاص. وعلى الجهات الأكاديمية تفعيل دورها في زرع ثقافة الحوكمة ودفعها إلى مراحل متقدمة من التنفيذ والاهتمام بالتعاون مع الجهات الإعلامية والتشريعية ذات العلاقة، لرفع كفاءة السوق وتطويرها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، التي تخدم مصالح الأطراف كافة.