هل نظامنا التعليمي يصنع جيلاً رخواً؟
خلال الأيام الماضية، وكذلك خلال الأعوام الماضية، تم تعليق الدراسة في التعليم العام لأسباب الطقس، كما أعلن عن ذلك في حينه، إما للغبار وإما للأمطار، وما من شك أن السبب الظاهر والمباشر هو تجنيب الطلاب والطالبات المخاطر التي قد تنجم عن انتقالهم إلى المدرسة ومنها إلى بيوتهم. وقد يكون الوضع في بعض الحالات مقبولاً ومبرراً، إلا أن تعليق الدراسة في مدينة الرياض في المرتين السابقتين لم يكن له ما يبرره، فنزول المطر في الليل، وإن كان غزيراً، أو يبدو هكذا لا يعني استمراره في الغد، وهذا ما حدث، إذ إن الأجواء في النهار كان الغالب عليها الصحو، ولم تنزل أمطار وكانت الطرق سالكة.
صحة أبنائنا وحياتهم مهمة، لكن الاختلاف في تقدير متى يكون الوضع خطيراً أو غير ذلك، في أجواء الغبار قد يكون خطيراً على من يعانون الربو، وهم معذورون إن غابوا ويجب أخذ ذلك في الاعتبار من قبل المدرسة، وكذلك الحالات التي يصعب عليها الوصول للمدرسة وقت الأمطار لإعاقة أو عدم توافر مواصلات، هم معذورون، لكن أن تعطل المدارس بكاملها في مدينة كاملة كالرياض، فهذا يصعب فهمه أو قبوله.
تعليق الدراسة ربما يكشف عن أسباب غير ظاهرة أو غير مباشرة، فهو قد يكشف عن قصور في فهمنا لمعنى التربية بالمعنى العميق، فذهاب الطلاب للمدرسة لا يعني الحصول على المعرفة، فالمعرفة يمكن الحصول عليها من الكتب أو من الوسائط التقنية الحديثة، التربية كما أفهمها تعني اكتساب الخبرات والتعامل مع كل الظروف، السهلة والصعبة، والسارة وغير السارة. التربية تعني إعداد الأجيال للتعامل مع الظروف والأحوال كافة، لأن الحياة ظروف وأحوال متقلبة وغير مستقرة، لذا لا يمكن تربية النشء على نمط واحد لأنهم في حال تغير الظروف، سيكون من الصعب عليهم التكيف مع الظروف المستجدة.
عشنا ورأينا وتنقل لنا الفضائيات أخبار الطقس في الدول الأخرى، التي تتعرض لعواصف ثلجية شديدة يصل ارتفاع الجليد فيها إلى نصف متر، وأحياناً متر أو أكثر، كما تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر بعشرات الدرجات، ومع ذلك تسير الحياة بوضعها الطبيعي ولا تعطل المدارس، والحالات الخاصة تعالج حسب ظروفها.
ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم، هذه العبارة المأثورة عن عمر - رضي الله عنه - هل ندرك معناها ومغزاها التربوي، أم أننا نمر عليها مرور الكرام؟ الوضع الذي يتم به التعامل مع الظروف المناخية لا أعتقد أنه يخدم المصلحة الوطنية العليا، التي توجب إيجاد جيل قادر على التعامل مع الظروف والأحوال كافة مهما كانت قاسية وشديدة، لأن خدمات الآخرين لن تدوم لنا، وكما يقول المثل ''ما يدوم للصلايب إلا أهلها'' مثل هذه القرارات والإجراءات في الميدان التربوي تحدث آثاراً سلبية، منها إيجاد جيل رخو يفضل الخمول والكسل والكمون في المنزل أو الاستراحات وأماكن اللهو، وهذا ما لا نتطلع إليه كمجتمع.
البعض يرى أن أسباب تعطيل المدارس بهذه الصورة التي لا تستوجب ذلك، مرده ضعف البنية الأساسية في الطرق والمباني المدرسية، وضعف الأجهزة الخاصة بالطوارئ، لذا نلجأ إلى تعليق الدراسة حتى لا تنكشف هذه الحقائق، رغم أن الواجب أن نفرح بهذه الظروف لنختبر جاهزيتنا، وقدرة أجهزة الطوارئ لدينا، وكل منظومتنا الإدارية على التعامل مع هذه الظروف.
اللياقة النفسية مثلها مثل اللياقة البدنية تحتاج إلى تدريب ومران ومواقف تصقلها، فلياقة البدن تحتاج إلى المشي، وممارسة الرياضة بكل أنواعها وإن تركها الفرد فقد لياقة جسمه، وهذا ينطبق على اللياقة النفسية، فعدم التعرض للظروف والمواقف المتنوعة يجعل الفرد عاجزاً عن مواجهة المستجدات. لذا فنظامنا التربوي يحتاج إلى أن يأخذ في الاعتبار المفهوم التربوي الشامل بدلاً من تقزيم المدرسة في المجال المعرفي فقط. وخوفنا من ظروف الطقس البسيطة كيف سيكون في حالة الشدائد، سواء كانت نتيجة الطقس أو نتيجة حروب - لا سمح الله.