رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كيف تتعامل البورصات مع الشركات المتعثرة؟

توجد لدينا في سوق الأسهم السعودية مشكلة كبيرة تخص الشركات التي تتعثر لسبب أو لآخر بشكل يخالف أنظمة هيئة السوق المالية، فيكون العقاب الوحيد المتاح في يد الهيئة إيقاف تداول أسهم الشركة بشكل نهائي، إلى أن تفي الشركة بشروط الإدراج المقرة من الهيئة. وأحد أهم أسباب الإيقاف هو تآكل رأسمال الشركة إلى أكثر من 75 في المائة من حجمه بسبب الخسائر المتراكمة للشركة. وعلى الرغم من سلامة الإجراء وتماشيه مع أنظمة الهيئة إلا أنه، من وجهة نظري، إجراء خاطئ يجب ألا يعمل به في السوق السعودية، طالما أنه لا توجد حلول بديلة لمعالجة مثل هذه الأمور. فكان الأولى بهيئة السوق المالية إما أن تنقل الأنظمة المطبقة في البورصات العالمية في سياقها الصحيح، أو أن تعمل وفق أنظمة تناسب وضع السوق السعودية، فأصبحت سوقنا - مع الأسف - مثل الغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة.
إن المشرِّعين في الدول الأخرى، كالولايات المتحدة، أوجدوا مخارج مناسبة للشركات المنبوذة من بورصاتها الأصلية، من خلال زيادة عدد البورصات وإيجاد وسائل لتداول الأسهم المتعثرة خارج البورصات. فهناك، على سبيل المثال، سوق افتراضية تسمى سوق التداول خارج البورصة OTCBB وسوق أخرى تسمى سوق الصفحات الوردية Pink Sheets، إلى جانب بورصات إقليمية عديدة، تتميز كل واحدة منها بأن إجراءات التسجيل وبقاء الشركات فيها تختلف من حيث شدة شروطها وضوابطها، لدرجة أنه بالإمكان تداول أسهم أي شركة تقريباً من خلال هذه القنوات. والسبب في إيجاد هذه البدائل يعود لإدراك المشرِّعين والمنظمين هناك بأن المتعاملين في الأسواق المالية ليسوا سواسية، وأن لديهم درجات متفاوتة من الشهية نحو المخاطرة، فلا يبحثون جميعاً عن الشركات الآمنة والمستقرة. بل إن هناك مؤسسات مالية ومستثمرين كبارا لا يستثمرون في الشركات المستقرة إطلاقاً، فيبحثون عن الشركات التي تواجه صعوبات في هياكلها المالية وتحديات تجارية واستراتيجية. مثل هؤلاء المستثمرين لا يضيرهم في شيء تعثر شركة لأي سبب كان، بل يؤمنون بأن لكل شيء سعر تحدده قوى العرض والطلب. فحتى في حالة الشركة التي تعاني مشاكل مالية وتنافسية ومن ثم تعلن إفلاسها، نجد أن لها سوقاً نشطة وسعر سهمها لا ينهار إلى الصفر دائماً، بل يستمر التداول على أسهمها، وتحدد السوق السعر الذي تستحقه. لا ننسى أن ارتفاع درجة المخاطرة في سهم ما، يعني بالضرورة ارتفاع العائد المتوقع، وهناك فئات من المتعاملين - لا تخلو السوق السعودية منهم - لديهم الاستعداد لتحمل درجات عالية من المخاطرة متى كان هناك عائد مالي عال مناسب.
إن إجراء الإيقاف الذي تقوم به هيئة السوق المالية لدينا إجراء ناقص، فهو يشترط تغير وضع الشركة لكي تعود إلى التداول، بينما من الممكن جداً أن تبقى الشركة بوضعها الحالي لسنوات عدة. فقد لا تستطيع شركة تعويض خسائرها بشكل سريع يعيد رأسمالها، أو بالأصح حقوق ملاكها، إلى أعلى من ربع ما كان عليه، فتبقى عندئذ أسهم الشركة خاملة في محافظ المتداولين وحابسة لسيولتهم إلى أجل غير معلوم. وعلى ما يبدو أن إيقاف تداول أسهم الشركة يحرمها كذلك من إمكانية رفع رأسمالها من خلال السوق المالية، بشكل ربما يسمح لها بالعودة إلى طريق الربحية.
هناك نقطة مهمة يجب الانتباه إليها وهي أن السوق المالية مجرد وسيلة لتداول أسهم الشركات ومصدر لتمويل تلك الشركات، وأن اختيار السوق المالية التي تُدرج بها أسهم الشركة يجب أن يرجع للشركة وملاكها. حالياً لا توجد لدينا إلا بورصة واحدة ''تداول''، ولا توجد معايير للإدراج والبقاء إلا معايير ''تداول''، ومن يسقط من ''تداول'' يلج إلى عالم المجهول. وإذا علمنا أن ''تداول'' ليست جهة حكومية، بل هي في الواقع شركة تجارية خاضعة لإشراف هيئة السوق المالية، نجد أن لا شيء في الواقع يمنع من وجود بورصات عدة تتنافس فيما بينها، وتمنح الشركات والمتعاملين قنوات بديلة لإدراج الأسهم وتداولها. على سبيل المثال، جميع الأسهم المتداولة في الولايات المتحدة تخضع لإشراف هيئة الأسواق والأوراق المالية، وهي شبيهة بهيئة السوق المالية لدينا، إلا أن شروط الإدراج وضوابط البقاء شأن خاص بكل بورصة أو سوق افتراضية. فنجد أن شروط بورصة نيويورك صارمة إلى حد كبير، وتشمل عددا من الاشتراطات، في إحدى صورها ألا تقل المبيعات السنوية عن 75 مليون دولار ولا تقل القيمة السوقية عن 750 مليون دولار. وكذلك بورصة نازداك لديها عدد من الشروط، منها ألا يقل رأسمال الشركة عن نحو 30 مليون دولار، ولا تقل القيمة السوقية عن نحو 18 مليون دولار ولا يقل سعر السهم عند التسجيل عن خمسة دولارات، وهكذا. وهذ البورصات تمنح الشركات التي لديها مخالفات فترة من الوقت تراوح بين شهر وثلاثة أشهر لتصحيح وضعها، وهذا متبع بشكل مشابه في السوق السعودية، إلا أن الاختلاف هو أن البورصة الأمريكية تغير من رمز الشركة بحيث يُعرف أن لدى الشركة مشكلة مع أنظمة البورصة، فلا يقع المتداولون غير المطلعين في ضرر. وهذا ممكن تنفيذه بسهولة في السوق السعودية، لكن تبقى المشكلة الأصلية وهي كيفية التعامل مع هذه الشركات بعد انقضاء الفترة النظامية.

ما الذي يحدث عندما لا تستطيع الشركة تصحيح وضعها؟
الحل المتبع في الولايات المتحدة، كمثال، هو أن تقوم الشركة بتسجيل أسهمها خارج البورصة، غالباً في سوق OTCBB التي لا تتبع لأي من البورصات الكبرى ولا تلتزم بضوابطها، فقط تلتزم ببعض الضوابط الصادرة من هيئة الأسواق والوراق المالية بخصوص نشر النتائج المالية. أما الصفحات الوردية فهي سوق بلا شروط، ويمكن لأي شركة التسجيل بها، وهي أرخص بكثير من تكاليف التسجيل في البورصات الكبرى، وتفضلها بعض الشركات الأجنبية لصعوبة الالتزام بشروط البورصات الصارمة، فتجد أن أسهم شركة (دويتش تيليكوم) وأسهم (بنك باريباس الفرنسي) يتم تداولها في الصفحات الوردية، على بالرغم من أن هاتين الشركتين تستطيعان التسجيل في بورصة نيويورك بكل سهولة. ويقدر عدد الشركات المتداولة في الولايات المتحدة بنحو 15 ألف شركة، فقط الثلث منها يتم تداوله في البورصات، والباقي خارج البورصات، منها نحو ستة آلاف شركة في سوق الصفحات الوردية.
ختاماً، يجب التفريق بين هيئة السوق المالية وشركة ''تداول'' في أن الهيئة هي الجهة المشرعة والإشرافية على أسواق التداول، وشركة ''تداول'' مجرد واحدة من الوسائل المتاحة لتداول أسهم الشركات السعودية، وأن الوقت مناسب الآن لفتح المجال لبورصة أخرى تنافس ''تداول'' من حيث شروط الإدراج والاستمرارية وكذلك من حيث تقديم خدمات للمتداولين والمستثمرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي