رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مفاهيم اقتصادية راسخة تنهار أمام أزمة الغرب الاقتصادية

القوانين والقواعد والمفاهيم التي تؤثر في حياة البشر ليست ثابتة ومطلقة، ويجب ألا تكون كذلك. ولهذا يراجع العلماء والمفكرون والقادة كتاباتهم وسياساتهم بين حين وآخر. للزمان والمكان والبيئة والمحيط الذي نعيش فيه سطوة وتأثير كبير جدا في حياتنا.
ولكن البشر يبدأون في مراجعة كل ما لديهم، حتى إن كانت هناك مفاهيم وقوانين ثابتة أظهرت التجربة والممارسة مصداقيتها وفائدتها الآنية والطويلة، عند مواجهتهم الصعاب والأزمات والظروف القاهرة. عندها ما كان يعد من المسلمات والبديهيات حتى المقدسات، يصبح مثارا للنقاش والشك.
وهذه حالة إنسانية عادية، كلما اشتدت الأزمة زادت شكوك الناس بما لديهم من مفاهيم وقوانين وسياسات وقادة وغيرها. العرب تقول: "اشتدي أزمة تنفرجي". في الغرب، حيث الناس تستند إلى التجريب والنظريات العلمية، يصبح القول: "اشتدي أزمة تنفجري".
الغرب واقتصاده في "حيص بيص" وهذه حقيقة لا ينكرها الغربيون أنفسهم. الكل يخشى اليوم من اللعنة الإغريقية أي انتقال الأزمة الاقتصادية في اليونان وقبرص والبرتغال وإسبانيا وغيرها إلى الاقتصاديات الكبيرة، ولا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
وبما أن السياسات الاقتصادية التي طبقت حتى الآن لإنقاذ الاقتصاديات المتدهورة في بعض الدول، التي تستند إلى تقليص الإنفاق والحد من المديونية، لم تؤت أكلها، وأن الاستمرار فيها يعني مزيدا من الألم لقطاعات واسعة وبطالة قد تصل إلى 30 في المائة من القوى العاملة في بعض الدول مثل اليونان، بدأ كثير من علماء الاقتصاد والسياسيين والحكومات مراجعة حساباتهم.
إلى وقت قريب كان ما كتبه عالما الاقتصاد من جامعة هارفارد كارمن رينهارت وكينث وركوف حول المديونية وعجز الميزانية والإنفاق بمنزلة المقدسات. باختصار يحذر الباحثان من المديونية العامة متى ما وصلت أو قاربت 90 في المائة من الإنتاج القومي الإجمالي. مديونية بهذا الحجم تجعل من النمو الذي يؤدي إلى زيادة التشغيل أمرا شبه مستحيل، وعليه ينصح الباحثان بتقليص الإنفاق الحكومي حتى إن شمل المعونات الاجتماعية.
بمعنى آخر أن التقشف في حالات كهذه هو الدواء الشافي، وهذه هي السياسة الاقتصادية المتبعة حتى الآن في الغرب، رغم المآسي التي أدت إليها في بعض الدول الأوروبية.
وهذا أيضا يعني أن على دول ذات اقتصادات عملاقة ومديونية هائلة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، الشروع في سياسات تقشف تطول قطاعات واسعة من شعوبها. الخشية هي أن هذه السياسات جرى تجريبها وظهر عدم نجاعتها، فما الداعي إلى تطبيقها في دول أخرى؟
وظهرت أخيرا دراسة من جامعة ماساشوستس الأمريكية تفند المسلمة الاقتصادية التي تدعو إلى تقليص الإنفاق، وتنظر بإيجابية إلى المديونية وإن اقتربت من 90 في المائة من الإنتاج القوم- كما هو الشأن في أمريكا وبريطانيا وفرنسا. هذه الدراسة ترى أن زيادة السيولة من خلال الإنفاق الحكومي - أيا كانت مصادره - هي الطريق السليم لضخ الحياة في الاقتصاد وإنقاذه من الانكماش والعودة به إلى النمو مجددا.
وركب الموجة بول كروكمان، صاحب جائزة نوبل في الاقتصاد وأشهر عالم اقتصاد أمريكي، داعيا من على صفحات جريدة "نيويورك تايمز" إلى زيادة الإنفاق الحكومي وعدم الاكتراث للمديونية الأمريكية الهائلة.
ويستدل كروكمان على أن سعر الفائدة بقي منخفضا جدا وكذلك نسبة التضخم، رغم المديونية الهائلة والحجم الهائل للعملة الأمريكية التي تم طبعها دون غطاء.
"هذا وقت سيئ جدا لتقليص النفقات" يقول كروكمان ويضيف: نحن في وضع استثنائي لم نشهد له مثيلا، ولهذا يتطلب إجراءات استثنائية وإن بدت أنها تعارض المسلمات الاقتصادية.
وحسب كروكمان، فإنه بعد خمس سنوات من الأزمة المالية الطاحنة التي حلت بالغرب في عام 2008، ما زال همّ الكثيرين لوم من كان وراءها، بدلا من العمل الجدي على حلها.
ولكن في كل ما قرأته لم ألاحظ أن أياً من الباحثين يعزو ما حدث إلى أن العالم قد تغير، وأن الغرب لا يمكن أن يعيش كما كان، ولا يمكن أن ينعم بالرفاهية والرخاء كما كان، لبروز منافسين أشداء يصارعونه على كل ما تنعم به الأرض على البشر، الذي رغم كثرته محدود في نطاقه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي