رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


«الشورى»: رعاية الشباب ليست كرة القدم فقط

تطرح صحيفة ''الرياض'' حلقات أسبوعية تخص عمل اللجان الشورية، وكانت أهم القضايا خلال الأسبوع الماضي تتعلق بالأسرة والشباب. فقد نشرت ''الرياض'' يوم الخميس الماضي بندين رئيسين حول هذا الموضوع الأول يخص الجمعيات الخيرية وشؤون المعوقين ومراكز التأهيل، والآخر يتعلق بشؤون الرياضة والشباب والأندية الرياضية. ونريد هنا أن نعرض رأي اللجنة الاجتماعية في مجلس الوزراء حول هذا الموضوع. فقد ذكرت عضو لجنة الشؤون الاجتماعية الدكتورة هيا المنيع حول هذا الموضوع ما يلي ''أجد أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب أشغلت نفسها بالرياضة وتحديدا كرة القدم، ومع الأسف، بلا منجز، وكلنا أمل أن تتطور وتتغير لاستيعاب المتغيرات الحاصلة، وأن تكون ضمن المؤسسات التي تشارك في التنشئة الاجتماعية''، موضحة أن الشباب من كلا الجنسين في حاجة إلى لفتة من الرئاسة واحتضانهم بما يشغلهم عن تلك المخالب المتلقفة لهم لاستغلالهم كأدوات سلبية اتجاه الوطن ومنجزاته على مرأى من ''الرئاسة''، التي من المفترض أن يكون الشباب هم هدفها الأول وليس كرة القدم. ورأت الدكتورة المنيع أن اختصاص ''الرئاسة'' وتنوعها الرياضي ليس كما ينبغي، فعلى الجانب الثقافي والمجتمعي ترى المنيع أننا في حاجة إلى إنشاء عدد من الصالات والأندية والمراكز الرياضية لكلا الجنسين، وفي الجانب الرياضي يفترض أن تفتح الأبواب بشكل مؤسسي ومنظم لخدمة كلا الجنسين، مؤكدة أن قضايا الشباب والفتيات من أهم الملفات التي تسعى اللجنة لفتحها ورفع توصيات فارقة فيها.
حتى نعطي الموضوع حقه وألا نظلم ''رعاية الشباب'' دعونا قبل كل شيء نستعرض تاريخ الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وأهم أهدافها والسياسات العامة لتحقيق هذه الأهداف ثم نقارن بين ذلك وبين أدائها على أرض الواقع، وهل هي بالفعل تسعى لتحقيق أهدافها أم أنها حادت عن الطريق كما تذكر اللجنة الاجتماعية في مجلس الشورى.
تعود فكرة ''رعاية الشباب'' في المملكة إلى عام 1365هـ/ 1945، عندما بدأت لعبة كرة القدم تنتشر في المملكة، بعد طلب من الجالية الإندونيسية بمزاولة تلك الرياضة، ثم أنشئت في وزارة الداخلية أول هيئة منظمة للحركة الرياضية في المملكة عام 1372هـ، وفي عام 1380هـ أنيطت رعاية الشباب بوزارة المعارف ثم في عام 1382هـ أنيطت بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ثم صدر قرار مجلس الوزراء رقم (560) وتاريخ 23/4/1394هـ الموافق 15/5/1974 القاضي باعتبار رعاية الشباب جهازا مستقلا يرتبط إداريا بالمجلس الأعلى لرعاية الشباب. وتعد الرئاسة العامة لرعاية الشباب من أجهزة المصالح المستقلة التي لا تتبع أيا من الوزارات إنما ترتبط جميعها (برئيس مجلس الوزراء). ومن أهم أهداف رعاية الشباب في المملكة ما يلي:
- الإسهام في تنشئة الشباب تنشئة اجتماعية قويمة، ومساعدتهم على النمو المتوازن في النواحي الخلقية والعقلية والبدنية، والصحية والنفسية والاجتماعية، وتأصيل العادات والتقاليد العربية والتعاليم الإسلامية.
- دعم بناء الأسرة وتقوية روابطها وتهيئة الظروف والإمكانات الملائمة لنموها.
- العمل على استثمار الأوقات الحرة للمواطنين في نشاطات الرياضة والترويح، من أجل رفع اللياقة البدنية، وتنمية الهوايات الفنية، والعملية، والعلمية، التي تعلي من قيمة العمل اليدوي، وتزيد من قدرة الشباب على الدفاع عن الوطن.
- الارتقاء بمراتب البطولة والتفوق في ميادين الرياضة.
هذه أهم الأهداف المتعلقة برعاية الشباب في بلادنا، لكن من خلال النظرة الواقعية والنواحي التشغيلية لرعاية الشباب نجد أنها لم تحقق أي هدف من تلك الأهداف، بل ابتعدت عنها كثيرا، حتى مجال كرة القدم لم نر لرئاسة الشباب أي مساهمات تاريخية مستمرة، بل محاولات بين الوقت والآخر يتخللها كثيرا من الكبوات.
فأين مساهمة رعاية الشباب في دعم بناء الأسرة وتقوية الروابط فيما بينها هل تلمسون مثل هذا في الواقع؟ أين تنمية الهوايات الفنية والقدرات العلمية والعملية التي ترفع من قيمة العمل اليدوي؟ فنحن لا نرى أي مجهود لرعاية الشباب في تحقيق هذا الهدف. وماذا عن العمل على استثمار الأوقات الحرة للمواطنين في نشاطات الرياضة والترويح؟ هل هناك أنشطة رياضية تمس المواطنين مباشرة غير كرة القدم؟ وحتى هذه الأخيرة تعد حكرا على فئة ضئيلة من منسوبي الأندية الرياضية دون غيرهم من المواطنين؟ إذاً الأهداف التي أنشـئت من أجلها رعاية الشباب لم تتحقق، بل وجهت طاقتها وكامل قدراتها ومواردها في الاستثمار في كرة القدم دون جدوى.
ولا أظن أعضاء مجلس الشورى لديهم عداء مع كرة القدم، لكنهم يرون أن المبالغة في الاستثمار في نوع واحد من أنواع الرياضة وتعمد أن يعكس هذا هويتنا ويبرز حضارتنا ويقدمنا للشعوب بأننا أبطال في كرة القدم غير مقبول البتة. الاستثمار المبالغ فيه في كرة القدم لا أرى أنها تمثل لنا كدولة وكمواطنين إنجازا حضاريا، فهناك كثير من الإنجازات التي يمكن أن نقدمها للعالم لتعكس حضارتنا وتنميتنا وتبرز هويتنا، منها وفي مقدمتها الحرمان الشريفان وخدمة ضيوف الرحمن. فيجب أن يعلم العالم البذل السخي الذي تقدمه الدولة ماديا وتنظيما لأداء هذه المهمة المقدسة فمن الأفضل لنا دينيا وحضاريا وتنمويا أن نقدم أنفسنا كخدم للحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن، على أن نقدم أنفسنا أمام الأمم أننا أبطال في كرة القدم. كما أننا نمتلك ميزة نسبية في مجالات أخرى؛ فنحن أكبر دولة منتجة للنفط ولدينا أكبر شبكة لتحلية المياه في العالم ومن أكبر الدول إنتاجا للتمور، ولدينا كثير من الإنجازات على المستويات كافة ـــ لا يتسع المكان هذا لسردها ـــ نستطيع أن نقدم فيه ذاتنا دون أن نضيّق على أنفسنا ونخنق قدراتنا ونختزلها في رياضة هامشية لا تضر ولا تنفع، وقد حاولنا خلال العقود الماضية أن نقدم أنفسنا أبطالا في كرة القدم واستثمرت رعاية الشباب كل ما لديها في هذا المضار، ولم يزدنا إلا بعدا عن هويتنا الحقيقية.
أنا أؤيد مجلس الشورى فيما ذهب إليه، وهي بالفعل لفتة كريمة وقد تكون دعوة لإعادة هيكلة رعاية الشباب بما يحقق رفاهية المواطن وإبراز هوية الوطن وإيضاح الإنجازات الحقيقية لنا كدولة لها ثقل سياسي واقتصادي، وقبل هذا وذاك ديني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي